مدارس الرقة وكوادرها التعليمية .. «تجميع للطلاب ومحو أمية ليس إلا»

مدرسة في الرقة بعدسة أحد المعلمين

مع بداية العام الدراسي الجديد في سوريا، ما تزال معظم مدارس مدينة الرقة خالية من الجدران والنوافذ رغم مرور عامين على سيطرة "قوَّات سوريا الديمقراطية (قسد)" عليها، بينما تنتظر الطلاب معاناة أخرى لابتعاد الكوادر المتخصصة وخريجي الجامعات مُقابل تعيين كوادر غير مؤهلة للتدريس وسط تدخل القوة في كثير من التفاصيل.

قبل نحو ستة أشهر من السيطرة الكاملة على المدينة، شكَّلت قسد "لجنة التربية والتعليم في الرقة" منتصف نيسان 2017، التي يحمّلها الناشط الرقاوي موسى الخلف "أبو مايا" مسؤولية تدمير الجيل الجديد، من خلال الهيمنة على قطاع التعليم، ووفق أبو مايا فإنَّ فشل هذا الكادر في العملية التعليمية يعود إلى "تعيين قسد علي الشنان -ومؤهله العلمي شهادة ثانوية- مديراً للتربية في الرقة، وتعيين فاطمة بوظان التي مؤهلها العلمي شهادة إعدادية ولم تعمل في مجال التعليم سابقاً، نائبة لمدير التربية".

يعدد الناشط المراكز التي يتولاها اليوم أشخاص ليس لديهم الكفاءة أو الخبرة، لكنهم يتمتعون بالدعم الكامل من القوات الكردية لولائهم لها، فيذكر "إدارة المدارس" التي أوكلت مهامها إلى أمل العلي الحاصلة على شهادة ثانوية ولم تعمل في مجال التعليم في السابق، و"لجنة المرأة" لإلهام عبدي التي لم تعمل في مجال التعليم كذلك ولا تملك سوى شهادة إعدادية، كذلك الأمر في ترأس دعاء أحمد "اتحاد المعلمين" بمؤهل الشهادة الثانوية، "مع العلم أنَّ محافظة الرقة تمتلك الكثير من حملة الشهادات الجامعية التي تخوّلهم لإدارة سلك التربية والتعليم". ويعقب إبراهيم حسن عضو في مجلس الرقة المدني التابع لـقسد بقوله لعين المدينة: إنَّ "تعيين أصحاب شهادتي البكالوريا والتاسع جاء بسبب عدم وجود متقدمين من الشهادات الجامعية".

هذا ما يؤكده المعلم حمزة في مدينة الرقة (طلب التحدث باسم مستعار) لعين المدينة، بأنَّ "قسد عند سيطرتها الكاملة على مدينة الرقة قبلت بمدرسين ومدرسات من حملة شهادة الإعدادية أو الثانوية، مقابل راتب شهري قدره 49 ألفاً و500 ليرة سورية، (وصل مؤخراً إلى 59 ألفاً و500) وذلك بسبب ضعف إقبال خريجي الجامعات، لتخوّفهم من نظام الأسد الذي تربطهم به وظائفهم". ويوضح أن منظمات كثيرة تعمل في مجال الدعم النفسي على سبيل المثال، رواتب العاملين فيها يقدر بـ400 دولار أمريكي، بينما يتقاضى العاملون في التعليم نحو مئة دولار، الأمر الذي أثار جدلاً أرغمت قسد في إثره المنظمات على تخفيض رواتبها إلى 200 دولار.

بخلاف العدد الشائع للمدارس في محافظة الرقة، يبلغ عدد المدارس الكلي 264 مدرسة بينها 35 مُدمَّرة بشكل جزئي، و46 مُدمَّرة بشكل كامل، وهناك 100 مدرسة تخلو من الأبواب والنوافذ، فيما يُتوقع أن يبلغ عدد الطلاب 130 ألفاً، وفق عضو مجلس الرقة المدني. وقال إبراهيم حسن: إنَّ "نحو 40 مدرسة رممتها المنظمات الإنسانية بشكل جزئي بنسبة ترميم تُقدر من 30 إلى 50 بالمئة". موضحاً أنَّ "الدعم للمدارس كلّه مُقدّم من المجلس المدني، حيث قدم المجلس الكادر التدريسي بالإضافة إلى ترميم بعض المدارس وتركيب أبواب ونوافذ وفيبر للنوافذ".

على أن ناشطين من الرقة يتكلمون عن أن أغلب مدارس المدينة أهّلها السكان العائدون بمجهود ذاتي، فيما تنحصر مهمة المنظمات في التصوير ونشر أخبار تفيد بأنَّ "المدارس جاهزة". وتشير الحقائق إلى ترك نسبة كبيرة من الأطفال تعليمهم والاتجاه إلى "الصناعة" للعمل، ومنهم من أجبره الفقر على أعمال جمع مواد البلاستيك والحديد من الشوارع لكسب لقمة العيش. وأوضح أبو مايا أنَّ أغلب المدراس ما تزال غير مؤهلة لتدريس الطلاب، لخلوها من الأبواب والنوافذ والمستلزمات مثل السبورة والمقاعد، وغير مجهزة بدورات مياه ومدافئ تقي الأطفال برد الشتاء، منوهاً إلى وجود مدارس خاصة مؤهلة عن طريق المنظمات، لكن هذه المدارس تستوعب أعداد متواضعة.

 بدوره أكد المعلم حمزة خلو الرقة حتى الآن من المدارس الثانوية، فيلجأ الطلاب إلى الدورات الخاصة في معاهد مرخصة تدفع لسلطات قسد 5 % من مردود كل طالب، لذلك يمكن القول بأنَّ "التعليم تجميع للطلاب ومحو أمية ليس إلّا".

وتجبر سلطات قسد لتعيين المعلمين إخضاعهم لدورة تدريبية عبر برنامج التعلم الذاتي مدتها 45 يوماً، يتقدم بعدها جميع المستجدين مع القدامى إلى امتحان يحدد من خلاله المقبولون، الذين يصبحون منذ ذلك الوقت مجبرين على الخروج في المسيرات المؤيدة لقسد، حسب المعلم. وذكر الناشط الخلف أن "الهدف من الدورات شرح أفكار قائدهم عبد الله أوجلان". على أن تدخل العسكر الفج في أمور التعليم لا يقف عند هذا الحد، ويدلل أبو مايا على ذلك بما جرى منذ فترة، حين أطلق أحد حراس لجنة التربية والتعليم النار بشكل عشوائي فوق رؤوس المعلمين والمعلمات أثناء محاولتهم الخروج من مبنى كلية التربية بعد الانتهاء من محاضراتهم ظهراً، ثم صرخ شاتماً بحجة أنَّهم خرجوا قبل نهاية الوقت المخصص لهم.

يضاف إلى كل ذلك تغيير أسماء بعض المدارس إلى أسماء "شهداء القوات الكردية"، خاصة اسم أكبر وأقدم مدرسة في الرقة وهي مدرسة الرشيد، التي صارت تحمل اسم "أكاديمية الشهيدة روجبين عرب"، ما أدى إلى استياء واسع بين أوساط المعلمين لاسيّما القدامى منهم، كونها تُمثل لهم رمزاً تاريخياً مهماً.