متضررون في كيليس يبحثون عن حلول

مبنى الهجرة في كيليس

«رجل لقدام ورجل لورا»، هذا حال الواقفين أمام مبنى الهجرة والجوازات في ولاية كيليس التركية، يكلّمون أنفسهم، أو يجتمعون في دوائر للبحث عن حل لمشكلة إذن السفر، بعد أن فرضت الحكومة التركية على اللاجئين السوريين البقاء في أماكنهم، لتتحول المدن إلى سجن كبير.

يقترب أحدهم من حارس المكان، يُحاول بتركية مكسّرة أن يسأله عن كيفية الحصول على إذن سفر، يُحاول عبثاً أن يشرح له ظروفه. الحارس الذي يجيد بعض الكلمات التركية يعاجله بكلمة «يق»، أكثر الكلمات التركية شيوعاً، والتي باتت جزءاً من لغة السوريين أنفسهم في أحاديثهم اليومية، وغالباً ما يرافقونها بكلمة «سيستم يق»، وتعني أنه «لا يوجد شبكة أو نظام». يعود الرجل أدراجه للبحث عن طريقة أخرى.

ماهر (أب لثلاثة أطفال) يعمل في صناعة الأحذية، في المنطقة الصناعية لولاية غازي عينتاب، تحوّل إلى عاطل عن العمل منذ صدور القرار في نهاية كانون الثاني الماضي. فلا يوجد في كيليس ورشات أحذية، «كيليس ضيعة، كلها شارعين، الأتراك فيها مو ملاقين شغل» يقول الرجل. ففي كل صباح يرتدي ثيابه ويأتي مع بداية الدوام الرسمي للبحث عن حلّ، المترجم في الدائرة بات يعرفه، على حد قوله، هم يطلبون إحالة مرضية أو أن يكون طالباً في إحدى الجامعات، يستغرب ماهر الطلب «أنا لو درست كنت اشتغلت بالأحذية!».

لا يجيد بائع الخضار أبو أسامة (45 سنة) القراءة والكتابة، أمضى حياته مذ ولد كبائع للخضار، ومنذ خمس سنوات كان قد أتى بعائلته واستقر في كيليس، يخرج صباحاً إلى «البازارات» ليكفيهم ذلّ السؤال والوقوف في طوابير الإغاثة. لكنّ عمله الآن قد توقف، فقد كان يأتي بخضاره من «سوق الهال» في عينتاب، ومع القرار الجديد بات الذهاب مستحيلاً. يتساءل أبو أسامة عن الجدوى من القرار، فهل تريد الحكومة أن نبقى عالة على المجتمع، معظم السوريين يحاولون الاعتماد على أنفسهم للحياة، وخلق طريقة لكسب قوت يومهم ولو بشق الأنفس.

على صفحات التواصل الاجتماعي الخدمية، التي أنشأها السوريون في كيليس، إعلانات عن سيارات توصلك إلى المكان الذي تريده، بطرق مخالفة دون المرور على الحواجز، لكنّ كلفة الطريق بسيارة خاصة إلى عينتاب (60 كم عن كيليس) تتعدى مبلغ 100 ليرة تركية، في الوقت الذي لا يتجاوز دخل العامل السوري 40 ليرة في المدينة. ناهيك عن المخالفة، في حال تم كشفك وإيقافك، والتي تناقلت الصفحات أنها قد تصل إلى (1000 ليرة تركية)، وتحدثت عن أشخاص تم تنظيم مثل هذه المخالفات بحقهم.

يحاول السوريون المخاطرة بالذهاب، ولكن سائقي الحافلات في «كراج كيليس» في الآونة الأخيرة باتوا يرفضون حمل من لا يملك إذن السفر، خاصة بعد أن نظمت الشرطة التركية مخالفة بحق سائق أحد الحافلات، بقيمة 3400 ليرة تركية لوجود ثلاثة ركاب سوريين داخل حافلته دون إذن سفر.

يوجد في كيليس 180 ألف سوري، بحسب الإحصائيات التركية عن عدد اللاجئين السوريين، وقد يزيد العدد إن أضيف إليه من لا يملكون بطاقة الحماية المؤقتة «الكيملك». نسبة كبيرة منهم يعملون في ولايات مجاورة، باتوا الآن بلا عمل، خاصة مع رفض معظم الولايات طلبات النقل التي يتقدم بها أولئك الأشخاص لنقل مكان إقامتهم، يقول محمد خطاب الذي يسكن في عينتاب حالياً «عند قدومي من سوريا منذ أربع سنوات، استخرجت بطاقة الكيملك من كيليس، ومنذ ذلك الوقت قدمت أربع طلبات للنقل، وزرت مبنى الهجرة عشرات المرات، في كل مرة كان الجواب يأتي بالرفض، وعدم قبول طلبات النقل». يخشى محمد المرور على الحواجز المنتشرة في عينتاب، يحاول دائماً أن يسلك طرقاً فرعية للوصول إلى عمله في متجر في السوق الإيراني، «فهناك قرار يعيدني إلى كيليس وربما ترحيلي إلى سوريا إن كنت لا أملك إذن سفر».

في حديقة مبنى الهجرة والجوازات في كيليس، قال أحمد الذي يملك عقد عمل، قد وقعه حديثاً، في إسطنبول «لم تنفع كل الطرق في استصدار إذن سفر، حتى تلك التي يقوم بها السماسرة الكاذبون»، وقارن أحمد (الذي سيفقد عمله إن لم يصل إلى إسطنبول قبل نهاية الشهر الحالي) بين حال اللاجئين في تركيا وحالهم في أوروبا، وتساءل عن بطاقة اللجوء المؤقت «أليست هي وثيقة رسمية، لماذا يمنعونا من السفر؟ نعيش ضمن سجن كبير، تتخلله سجون أضيق، من صعوبة العيش والغربة والوحدة، ولكن إذن السفر زاد الطين بلّة، فأنا وأخوتي نعيش في ثلاث ولايات مختلفة، لا نلتقي إلّا على الواتس آب».

بطريقة ما وصل أحمد إلى إسطنبول، ليكتب على صفحته في الفيس بوك شاكراً الله الذي «أسرى به من كيليس إلى إسطنبول بدون إذن سفر».