مأساة الحصبة... لونٌ جديدٌ للموت يختبره السوريون

أطفال من جرجناز بعد التلقيح - قناة العربية

لم يخطر في ذهن والدة محمد وهي تستضيف فريق لقاح الحصبة، وتراقب طفلها وهو يتلقى اللقاح، أن تلك الحقنة ستكون آخر عهده بالدواء. نصف ساعةٍ كانت كافيةً لتشعر أن طفلها ليس على ما يرام، إنه يحاول التشبث بأنفاسٍ بدأت تتقطع ثم تتفلت منه.

في المشفى أدركت أن عشرات الأطفال مثل طفلها، يعانون من إسهالٍ شديدٍ وقصورٍ تنفسيٍّ حادّ. ويجمع بينهم أن جميعهم من جرجناز، وجميعهم أيضاً تلقوا في الصباح لقاحاً ضد الحصبة.

"قبل هذه المأساة بأيامٍ قليلةٍ بدأت حملة اللقاح، في الخامس والعشرين من آب 2014"؛ حسبما ذكر مسؤولٌ في وزارة الصحة رفض ذكر اسمه، "وشملت الحملة المــــــخيمات في سبع مــــحافظاتٍ سوريةٍ، لُقّح خلالها 42 ألفاً و500 طفل. وبدأت جولتها الثانية يوم الاثنين في الخامس عشر من أيلول، دون أيّة عوائق إلى أن وردت أنباءٌ عن وفيات بين الأطفال الملقحين في المنطقة صباح يوم الثلاثاء،
وذلك في شرق معرة النعمان، جرجناز، سنجار، شيخ بركة، أم مويلات. ووصل عدد الوفيات إلى 15 طفلاً، بالإضافة إلى 50 طفلاً مصاباً".
وحول تعامل الـــحكومة المؤقتة مع هذه القضية أكد فريق عمل الحصبة في بيانٍ "أن تحقيقاً ميدانياً بدأ بعد الكارثة مباشرةً، بأخذ عينات دمٍ وبولٍ من المصابين وإرسالها إلى المخابر الرسمية التركية. وشُكلت لجنة تحقيقٍ بإشراف وزارة الصحة ومشاركة وزارة العدل، وبرئاسة القاضي خالد الحلو، وتضمّ ثلاثة أعضاءٍ مستقلين لا علاقة لهم بالحكومة السورية المؤقتة".
فساد اللقاح كان الاحتـــمال الأكبر الذي رجّحه الكثيـــــر من أهالي المنطقة"، وفقاً للدكتور رامي عــــليوي أخصائي أمراض الأطفال. إلا أن الدكتور عليوي نفى ذلك، مبيناً أن "مرض الحصبة، تاريخياً، لم يشهد أبداً هذا العدد الكبير من الصدمة التحسّسية. فالنسبة الطبيعية لمثل هذه الصدمة هي واحد لكلّ مليون طفل. وإن فساد اللقاح أو انتهاء صلاحيته يؤدّيان إلى بطلان مفعوله ولا يسببان الوفاة.

الأتراكوريوم في ترامس اللقاح

ولعرض النتائج الأولية للتحقيق دعت الحكومة السورية المؤقتة إلى مؤتمرٍ صحفيٍّ كشــــف فيه رئيس الحـــــكومة، الدكتور أحمد طعمة الخضر، أن الوفاة جاءت نتيجة خطأ بشريٍّ لم يُثبت التحقيق بعد إن كان له أيّ بعدٍ جنائيّ. إذ تبين وجود أمبولاتٍ من دواءٍ يدعى الأتراكوريوم في أحد الترامس التي استعملت في ناحية سنجار. أي أن الأتراكوريوم - وهو مرخي عضلي يُستعمل في التخدير الجراحيّ، يسبّب فقدان قدرة الإنسان على التحكم بعــــــضلاته الإرادية ويشلّ العــــــضلات اللاإرادية - استعمل كمذيبٍ عوضاً عن المذيب المخصـــّص للحصبة. كما أكّد طعمة أن وزير الصحة، عدنان حزوري، وضع استقالته بتصرّف رئيس الحكومة إثر هذه الحادثة.
وعمّا إذا كانت هناك إجراءاتٌ قانونيةٌ بحقّ المقصّرين، "أُوقف الجيش الحرّ، بأمرٍ من الهيئة الشرعية، خمسةً من المسؤولين المباشرين عن عملية اللقاح"، بحسب علاء الدين الناصر، وهو من أبناء جرجناز.
قضية وفاة أطفال جرجناز ليست حادثةً معزولة، بل يعتقد الناصر أن "آلافاً مثلهم سيكونون في المستقبل القريب عرضةً للخطر بين نظامٍ لا يعترف بحقّهم في الرعاية الصحية، ومعارضةٍ تحتاج وقتاً طويلاً قبل أن تبني ثقة الناس بها مجدّداً".

بلغ عــــدد حــالات مــرض الحصـــبة المبلّغ عنها، حســــب وزارة الصحة في الحكومة السورية المؤقتة، 8300 حالةٍ في الفترة ما بين الأسبوع الوبائيّ 30 من العام 2013، والأسبوع 28 من العام 2014.
بدأ اللقاح في المرحلة الأولى 25-8-2014. وشملت الحملة 42 ألفاً و500 طفل.
بدأت المرحلة الثانية 15-9-2014 في يومها الأول. وشملت 15,000 طفلاً في دير الزور، وحوالي 12,000 في إدلب، 1,500 طفلاً منهم في مركز جرجناز وحده.