في ريف حلب المحتلّ.. «الباقر» وشركاؤه يستبيح البشر والممتلكات

كان على أبو محمد أحد العائدين إلى المناطق التي سيطرت عليها قوات الأسد ومليشياته في ريف حلب الشرقي بعد انسحاب تنظيم داعش منها، أن يراجع مقر مليشيا لواء الباقر في بلدة مسكنة (100 كم) شرق حلب، وذلك من أجل محاولة استعادة جراره الزراعي وعدد من الآليات الزراعة الأخرى التي يمتلكها، بعد أن صادرها عناصر تلك المليشيا.

رفض عناصر المليشيا إعادة تلك الآليات بداية، وقاموا بطرده من المقر بعد تهديدهم له بالاعتقال والتصفية، لكنه عاد بعد يومين وتمكن من استعادة ممتلكاته، بعد أن توسط له أحد أقارب منتسبي تلك المليشيا في المدينة، بشرط أن يعلن ولاءه الكامل للمليشيا، والانتساب للمذهب الشيعي الذي يتخذونه، وبالفعل تم ذلك.

أبو محمد اسم مستعار لواحد من مئات المدنيين في ريف حلب الشرقي ممن تعرضوا لانتهاكات المليشيات المعروفة بالمليشيات الإيرانية، وخاصة "لواء الباقر"، ومن القلة الذين استعادوا ممتلكاتهم، حيث عمل عناصر تلك المليشيات بداية سيطرتها على ريف حلب الشرقي في عام 2017، على سرقة كل ما وجدوه أمامهم، ثم استقطاب المدنيين بالقوة والتهديد تارة، واستغلال أوضاعهم المادية تارة أخرى، خاصة من قادة وعناصر لواء كان رأس الحربة في اقتحام بلدات ومدن ريف حلب الشرقي، كدير حافر ومسكنة والخفسة والمهدوم، وقرى ريف حلب الجنوبي، وتلقى خسائر كبيرة في قوته البشرية، لذلك عمل على استقطاب عشرات المقاتلين لسد الفراغ الذي تركته الخسائر في كتلته البشرية.

التجنيد:

يشكل "لواء الباقر" مع غيره من الميليشيات، القوة الرئيسية التي يعتمد عليها النظام وحلفاؤه الإيرانيون، في مدينة حلب وريفها الشرقي والجنوبي، ويقدر أبناء المنطقة عدد المنتسبين إلى "الباقر" بأكثر من (2000) عنصر، يتوزعون على مجموعات أو كتائب، في الأحياء الشرقية لمدينة حلب، وفي مدن السفيرة ودير حافر ومسكنة. وكان التشكل الأول لميليشيا الباقر في العام 2012 على يد خالد علي الحسين، بعد مقتل والده على يد الجيش الحر في حي المرجة، نتيجة قيامه بإعدام عناصر للحر جنوب حلب، بينما تمكن خالد من الفرار لمناطق النظام مع وشقيقه، ومن هناك بدأ تشكيل اللواء.

تزايدت أعداد عناصر اللواء بعد سيطرته على مدينة مسكنة، وبلدة دبسي عفنان شرقها والقرى المحيطة بها. ورفد اللواء قواته بمقاتلين جدد من أبناء هذه المناطق. وكذلك ارتفع عدد عناصر ميليشيات أخرى، مثل كتيبة "الدندن" التي يقودها معمر الدندن. وتساهم عوامل عدة في زيادة عدد المنتسبين إلى هذه الميليشيات، أمنية للخلاص من الملاحقة وتوفير حد من الحماية والأمان لدى بعض الشبان والعائلات، وكذلك تجنباً للالتحاق بالخدمة الإلزامية أو خدمة الاحتياط بجيش النظام، واقتصادية نتيجة ارتفاع معدلات البطالة وانهيار سوق الأعمال الحرة، حيث يشكل الانتساب إلى هذه الميليشيات فرصة عمل، واجتماعية أحياناً في الحالات التي تحرز فيها بعض المجموعات العشائرية الموالية للنظام أسباب قوة ونفوذ عبر الميليشيات التي تشكلها، ما يثير غيرة مجموعات عشائرية أخرى فتلجأ للأسلوب ذاته.

أجبرت كتيبة "المهدي" التي لم تلبث أن عرفت باسم "الدندن" نسبة لقائدها، الأهالي على شراء أعلام نظام الأسد (العلم الأحمر) منها بقيمة ألفي ليرة سورية لكل علم، بغية إخضاع المدنيين كافة في تلك المناطق لقرارات الكتيبة، ولكن كذلك لتأخذ العملية شكل الضريبة على وجودهم في مناطق سيطرة اللواء.

يشرح الناشط الإعلامي منذر أبو محمد من بلدة الخفسة في حديثه لعين المدينة، أن تكوين لواء أو مليشيا الباقر في ريف حلب الشرقي يعتمد على أمرين رئيسين، أحدهما "الشبيحة" من أبناء العشائر بشكل عام، وعلى الفاسدين في تلك المناطق، "حتى أنه بينهم عناصر من تنظيم داعش تركوا التنظيم وانضموا لهم"، ويضيف الناشط، بأن "نشاط اللواء في التنسيب يمتد على بقعة جغرافية معروفة بأنها دون خط الفقر، ومناطق قليلة التعليم إبان حكم نظام الأسد لها، وكلها تقريباً تعتمد في معاشها على الزراعة أو العمل خارج البلاد، وهو ماساهم بتوطيد أركان تلك المليشيا في ريف حلب الشرقي والجنوبي، أي اعتمدت على منطقة جغرافية معدمة وعشائرية".

مع تزايد أعداد تلك المليشيا، بات حصولها على تمويل كافي (خارجي) صعباً، خاصة من الداعم الرئيسي لها، وهو الحرس الثوري الإيراني عبر مركز الإمام المهدي في منطقة السيدة زينب بريف دمشق، كما تتحدث بذلك مصادر إعلامية. لذلك -ومنذ تشكيل تلك المليشيات- عملت على تمويل نفسها بنفسها، من خلال عمليات سرقة ونهب ومصادرة لأملاك المهجّرين من مدينة حلب؛ لكن في ريفها الشرقي كان الأمر مختلفاً قليلاً، فتلك المليشيات -ومنذ سيطرتها هناك- اتخذت شعار "فوق الأرض لنا، والأرض كلها لبشار"، أي أنهم يملكون صلاحية استباحة كل شيء حرفياً، ثم قاموا بفرض ضرائب مختلفة على المدنيين، وبشكل غير معقول.

على سبيل المثال، أي مدني مرّ أو توقف (في وقت مضى) عناصر من تنظيم داعش أو من الجيش الحر قرب منزله، أو منزل قريب له، أو أن يكون له معارف ضمن صفوفهم، فإن اللواء يفرض عليه دفع مبلغ مالي معين. يضاف إلى ذلك عمليات خطف للرجال والنساء وطلب فدية مالية من ذويهم، وما يعرف عن الميليشيات التابعة لإيران والقريبة من حزب الله اللبناني من زراعة الحشيش والمتاجرة به، وفق ما بات معروفاً ومؤكداً في أحاديث الأهالي بريف حلب الشرقي.

التشيع حفاظاً على الذات والممتلكات:

(أبو محمد) الذي اضطر للتشيع من أجل استعادة جراره، كان واحداً من مئات، وربما بلغ العدد آلاف المدنيين الذين يقيمون أو عادوا إلى مناطق سيطرة مليشيا الباقر، حيث عملت على افتتاح عشرات الحسينيات في بلدة دير حافر ومدينة السفيرة وبلدة مسكنة والقرى المحيطة ببلدة الخفسة، مشجعة المدنيين على إرسال أبنائهم من خلال تقديمها مساعدات غذائية لهم.

وبات كل من يود الرجوع لمناطق سيطرتهم في ريف حلب الشرقي يستعمل الانتساب للمذهب الشيعي من أجل تفادي ابتزازهم. أكثر من ذلك أصبح من السائد سماع الأناشيد الطائفية من السيارات، والوشوم المذهبية على أيدي الشبان، وكذلك العبارات المكتوبة على زجاج السيارات وحتى على لوحات الدراجات النارية، أي أن المجال العام يوحي بتشيع كامل المنطقة، أما عمليات التشييع الفعلية فتجري عبر الجوامع والحسينيات، وعبر الجمعيات الخيرية والفرق الجوالة على المدنيين لأغراض ثقافية أو غير ذلك.

تعمل بعض الميليشيات أو قادتها، وعبر قنوات اتصال مع شخصيات عشائرية في المنطقة، على استمالة الرأي العام في مناطق سيطرة "قسد" أو الجيش الحر، وتقدم ضمانات ومغريات لأبناء هذه المناطق لدفعهم إلى "تسوية أوضاعهم" ثم الانتساب إلى صفوفها، ونجح معمر الدندن وعبر شبكة عائلية عشائرية، بتطويع عشرات الشبان من القرى والبلدات الواقعة تحت سيطرة "قسد" أو تحت سيطرة الجيش الحر في صفوف الميليشيا التي يقودها.

يقول الصحفي فواز الشلال من بلدة الخفسة، إن مناطق ريف حلب الشرقي حظيت باهتمام إيراني غريب، ولكنه يتوضح إذا نُظر إليه من جانب استغلال المنطقة كونها من المناطق النائية أو النامية. ويوضح الشلال، بأن المنتسبين إلى هذه المليشيا يحاول البعض منهم إبراز نفسه على أنه أحد أفراد ميليشيا حزب الله اللبناني أو إحدى الميليشيات الإيرانية، عبر الخروج في الاحتفالات والمهرجانات بأعلام تلك الميليشيات، "كنوع من النفاق وتعويض النقص في شخصيته"، وكنتيجة لذلك يتشيع المجال البصري في المنطقة، فيما يبدو أنه محاولة تشييع بطرق مختلفة، بحسب ما يرى الشلال.

وبحجة (الإرهاب) أو التواصل مع (الإرهابيين)، كما يصفونهم، تُلقى جثث لمعتقلين على يد تلك المليشيات على حافة الطرقات بشكل متكرر، وتتكرر عمليات الاغتصاب في القرى المحيطة بمدن وبلدات ريف حلب الشرقي والجنوبي، ويتم التستر على كل ذلك خوفاً من إرهاب الميليشيات وانتقامها من ذوي المعتقلين، وفوق ذلك من قبل عوائل الفتيات خشية العار.

معمر الدندن