آليات تابعة لتحرير الشام تعمل على تحميل ونقل قطع سكة حديد حلب - اللاذقية

(لو علموا كم زرفنا من عرق، وكم واجهنا من مشقة لإنشائها قبل 60 عاماً، لنصبوا أسواراً وباتوا بجانبها خوفاً من أن يصيبهم ما أصابنا).

بهذه الكلمات علق العم أبو محمد، (٨٢ عاماً) من أهالي بلدة زردنا بريف إدلب الشمالي، على إجراءات تفكيك السكك الحديدية في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة شمال سوريا.

يقول أبو محمد لعين المدينة: "أمضينا نحو سبعة أعوام من الخدمة في مؤسسة السكك الحديدية بالعمل في ترميم سكة القطار التي تصل محافظتي إدلب بحلب، للتخلص من مشقة عشرات الكيلومترات التي كنا نقطعها سيراً على الأقدام، في وقت كنا نفتقر فيه إلى أبسط المقومات التي تساعدنا على ذلك، فأخذنا دور المهندس والعامل والسائق، والشاحنة في بعض الأوقات التي كنا نضطر لنقل حديد السكة الحديدية نقلاً على الأكتاف".

وجاء  كلامه في معرض الردود على قرار صادر عن المكتب الاقتصادي التابع لـ(هيئة تحرير الشام) في إدلب، تداوله ناشطون على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، ويخاطب مخفر الشرطة في بلدة (حزانو) في ريف إدلب الشمالي، ويطلب تسهيل مهمة المدعو (شيبان عبد الهادي) بفك سكة قطار إدلب-حلب، بدءاً من قرية (كفر يحمول) باتجاه الشرق، وصولاً إلى قرية (كفر حلب) في ريف حلب الغربي، والمارة في عدة قرى وبلدات بالريفين، بمسافة تتراوح بين 15-17 كم.

القرار لاقى غضباً واستنكاراً كبيراً من قبل الأهالي والفعاليات المدنية العاملة في الشمال السوري عامة، والقرى المعنية به خاصة، وسرعان ما أصدرت المجالس المحلية في ريفي إدلب الشمالي وحلب الغربي بيانات استنكار ورفض وتنديد بقرارات العبث بالممتلكات العامة.

فأصدر المجلس المحلي لبلدة (كفر يحمول) في ريف إدلب الشمالي بياناً أكد فيه رفضه المساس بالممتلكات العامة في البلدة، ومنها سكة الحديد المارة منها، من قبل أي جهة كانت. وتبعه بيان صدر عن مجلس (أبين سمعان) المحلي في ريف حلب الغربي جاء فيه: "لن نسمح لأي جهة مدنية أو عسكرية من خارج البلدة بالاستفادة أو أخذ أي مرفق من المرافق العامة في البلدة".

وأوضح (عماد قرنفل) رئيس المكتب الخدمي في المجلس، في تصريح لعين المدينة، أن قرار فك السكة أثار غضب الأهالي ومنظمات المجتمع المدني في البلدة فور تسريب صورة الكتاب الموجه لمخفر (حزانو)، ما دفع المجلس المحلي إلى عقد اجتماع مع الأهالي ووجهاء البلدة، وممثلين عن الفعاليات المدنية، والفصائل العسكرية العاملين فيها، وإصدار بيان استنكار وتحذير، بموافقة جميع الحضور.

"وتمّ الاتفاق على وضع خطة تنصّ على تجمّع أهالي البلدة في مناطق الأعمال التخريبية، بهدف مواجهة أي مجموعة تقترب من السكة الحديدية، أو أي من الممتلكات العامة في البلدة"، يتابع قرنفل، إضافة لتشكيل لجنة من وجهاء البلدة ومشايخها للتفاوض والاتفاق مع المجموعات التي تحاول العبث بالبنية التحتية مهما كانت، وذلك لتجنيب الطرفين المواجهة العسكرية، ومنعاً لتدخل الفصائل المسلحة العاملة في البلدة؛ ويلخّص الموقف خاتماً "لن نسمح لأيّ جهة كانت بالاقتراب من الممتلكات العامة التي تعود ملكيتها للشعب السوري كافة، ولا تقتصر على الفصيل المسيطر أو أهالي محافظة إدلب فقط".

 

كما حذرت الهيئة الثورية، ومجلس الشورى، والمجلس المحلي لبلدة (كفر نوران) في بيان مشترك، أيّ جهة تحاول الإضرار بسكة الحديد، وغيرها من ممتلكات البلدة، مؤكدين وقوفهم في وجه كل من يقترب منها مهما كلف الأمر.

ومن جهته، أعرب الناشط الإعلامي (وسام الإدلبي)، (٣١ عاماً) من سكان مدينة إدلب، عن قلقه من نتائج تفكيك سكة القطار في هذه المناطق، بالقول: "نخشى أن يحدث في ريف حلب الغربي ما حدث شرق سكة حديد الحجاز جنوب إدلب قبل أشهر، وأن يكون هدف الهيئة هو الاستفادة من السكة الحديدية والمنشآت العامة قدر الإمكان قبل الانسحاب من المنطقة".

وأشار (الإدلبي) إلى أنباء انتشرت بكثرة بين الأهالي في الشمال السوري، عن مخرجات سرية سربت من مؤتمر أستانة الماضي، تنصّ على تسليم (جبال اللاذقية، مدينة جسر الشغور، جبل شحشبو، ريفي حماة الشمالي والغربي وريف حلب الجنوبي) لقوات النظام، مقابل تسليم مدينة تل رفعت للجانب التركي.

أما (يحيى الشيخ أحمد)، أحد أبناء مدينة سراقب في ريف إدلب، فاستنكر القرار بطريقة ساخرة، عبر بوست نشره في حسابه الشخصي في (فيسبوك) قال فيه: "وتعتبر سكة الحديد كافرة، وسبب من أسباب تطبيق مقررات أستانة، وعلى المجاهدين فك هذه السكة الكافرة المرتدة التي هي من صنيعة الكفار، وشكراً لـ(هيئة تحرير الشام) وشكراً (فتح الشام) وشكراً (تنظيم جبهة النصرة) وشكراً (للقاعدة) وشكراً لكل شخص نصر هذه الثورة المباركة، قسماً لولا وجودكم، لما عرفنا وكشفنا هذه السكة الخائنة العميلة، صدقاً تستحقون جائزة نوبل بفك سكك الحديد، وحرصكم على سلامة أهل الشام، بالفعل قليل عليكم حكم إدلب بل تستحقون حكم العالم، وبيع كل حديد العالم".

وبحسب الناشط الإعلامي (علاء الدمشقي)، فإن الغضب الشعبي، ورفض المجالس المحلية والهيئات المدنية والأهلية، على الاعتداء على البنى التحتية والممتلكات العامة في المنطقة أجبر (تحرير الشام) على وقف أعمال تفكيك السكة، بعد أيام من تسريب قرار المكتب الاقتصادي التابع لها، إلا أنها تتابع عملها في تفكيك سكة حديد حلب-اللاذقية منذ عدة أشهر، دون الاكترث لنداءات الأهالي ومطالباتهم بإيقاف هذه الاعتداءات.

الناطق الإعلامي باسم هيئة تحرير الشام (عماد الدين مجاهد)، وفي تصريح لعين المدينة، قال: "لم يصدر أيّ قرار عن المكتب الاقتصادي التابع لتحرير الشام، أو أيّ مكتب آخر متعلق بها، يقضي بفك سكة حديد إدلب-حلب، وقد أعلمنا المجالس المحلية والفعاليات المدنية المعنية بالأمر أننا نخلي مسؤوليتنا عن هذا القرار، وحذرنا من السماح لأيّ جهة بالاقتراب من السكة الحديدية، وغيرها من البنى التحتية بالمنطقة" واصفاً البيان بـ"المزور".

بينما انتشر مقطع صوتي في غرف برنامج (واتساب) لمسؤول القوة التنفيذية التابعة لهيئة تحرير الشام في حزانو، والمكلّف بفكّ السكة (شيبان عبد الهادي)، تكلم فيه على أنه اشترى سكة الحديد في بلدة (كفر حلب)، ومحطتها في ريف حلب الغربي، من لجنة الغنائم في المنطقة، مشيراً إلى أنه لم يتلقَّ أيّ أمر من قيادة الهيئة بفكّ سكة القطار الممتدة من بلدة كفر يحمول إلى بلدة كفر حلب بالكامل.

وفي نفس السياق، قال مسؤول المكتب السياسي لـ(لواء المعتصم) العامل في ريف حلب الشمالي (مصطفى سيجري) لعين المدينة: "إن مثل هذه الأعمال ليست بالجديدة، وتأتي في سياق التخريب والسرقة المتعمدة من قبل تحرير الشام"، في إشارة منه لقيامها بتفكيك محطة زيزون، وسكة حديد زيزون-اشتبرق في ريف جسر الشغور غربي إدلب، بالتعاون مع (الحزب الإسلامي التركستاني) نهاية العام الماضي، وعملها على تفكيك سكة حديد حلب-اللاذقية منذ أشهر وحتى اليوم.

"شاهدنا عناصر من أبناء المنطقة يتبعون لتحرير الشام، برفقة عناصر من (التركستان) يقفون بجانب عمال مدنيين يعملون على تفكيك سكة الحديد الممتدة بين زيزون واشتبرق في ريف جسر الشغور، وآخرين نصبوا حواجز على الطرق المؤدية إلى محطة القطار، منعاً لاقتراب الأهالي من العمال"، يقول الشاب براء العبدالله من ريف إدلب الغربي، "كان العمال ينقلون القطع الحديدية المفككة من السكة بشاحنات تابعة لـ(هيئة تحرير الشام) باتجاه ريف حماة الشمالي"، مشيراً أن العمال يعملون لدى أحد تجار الحديد المستعمل "الخردة" المعروفين في المنطقة.

وبدوره، أكدَّ أحد عناصر (هيئة تحرير الشام) رفض ذكر اسمه لأسباب أمنية، لعين المدينة، أنه فصل من صفوف الهيئة بعد رفضه المشاركة في حماية المجموعة التي عملت على تفكيك السكة الحديدية، واتُّهم "بتصدير أخبار الجماعة الداخلية للفصائل الأخرى المعادية لها". ويشرح العنصر أن الهيئة قامت ببيع السكة لأحد تجار "الخردة" في المنطقة على شكل "طوناج"، أي بسعر تقديري لمحتويات المنشأة، على أن يتحمل التاجر تكاليف فكها ونقلها، والذي يقوم بدوره ببيع القسم الأكبر لمعامل الصهر في مناطق النظام، على غرار ممتلكات المحطة الحرارية والطائرات التالفة في مطار تفتناز العسكري عبر معبر مورك؛ والقسم الآخر يباع في أسواق المناطق المحررة.

وقال (محمد حمشو)، صاحب منشأة لصناعة الحديد في المنطقة الصناعية بمدينة أريحا جنوب إدلب، لعين المدينة: "انتشرت قطع السكك الحديدية بكثرة في محلات الخردة في المناطق الصناعية في معظم المدن الكبرى لمحافظتي إدلب وحلب، وكانت تباع بأسعار أقلّ من أسعار الحديد العادي، علماً أنها أكثر متانة، ومن الصعب جداً الحصول على مثيلتها من الأسواق". وعن أسعارها يشير حمشو: "تراوح سعر الكيلوغرام الواحد منها بين 250-275 ليرة سورية، فيما يبلغ سعر الحديد العادي الخردة بين 325-350، ما أثر على تجارة الكثير من أصحاب محلات الخردة في المناطق المحررة".

فيما نفى (أبو قاسم الحموي)، أحد عناصر هيئة تحرير الشام في ريف إدلب الجنوبي، بيع الهيئة لأي قطعة من سكة القطار، مبيناً لعين المدينة أن الهيئة أرسلت قطع السكك الحديدية إلى خطوط الجبهات المتاخمة لنقاط قوات النظام في أرياف اللاذقية وحلب وحماة لتدعيم التحصينات العسكرية فيها بشكل سري، مستنداً في حديثه على عدة صور ومقاطع مرئية بثها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي قبل أيام.

وكانت مؤسسة السكك الحديدية السورية التابعة للنظام قد قالت في بيان نشرته بداية شهر نيسان المنصرم، أن أكثر من 1800 كم من الشبكة السككية في سوريا تعرض للدمار والسرقة منذ عام 2011، مشيرة إلى أن قيمة الأضرار الموثقة لديها بلغت قرابة 530 مليار ليرة سورية، مضيفةً أن عدد مستخدمي القطارات في سوريا تراجع بنسبة 95 بالمئة منذ عام 2010 ليبلغ 154 ألف راكب، بعد أن كان 5 ملايين و300 ألف راكب ذلك الحين، بحسب بيانها.