عيد أطفال المهجرين في عفرين .. تعويض الغياب والعوز

أجواء عيد الفطر بريف حلب في ثاني أيامه - 3 أيار 2022 - عنب بلدي

يعيش أطفال المهجرين في شمال غربي سوريا تحت وطأة ظروف آبائهم، التي لا تقف عند الضائقة المادية الصعبة التي يقاسون آثارها على المأكل والمسكن والملبس، بل تتعداها إلى الظروف الاجتماعية وقد أبعدتهم قوات النظام عن وسطهم ومحيطهم الاجتماعي، ما جعل الكثيرين منهم يعيشون في المنطقة دون أقرباء يتعرف عليهم أطفالهم ويزورونهم في العيد.

يعيش نازحون ومهجرون كثيرون في عفرين بعيدين عن أقربائهم، وفي ظروف معيشية واقتصادية غاية في الصعوبة في ظل قلة فرص العمل، الأمر الذي يصبح ضاغطاً مع الأعياد التي ينتظر فيها الأطفال بلهفة أن يحصلوا على مبالغ مالية من العديد من الأقارب تحت مسمى العيدية، ما جعل الأهل يتصرفون بأكثر من طريقة للاستجابة لتوقعات أطفالهم.

ولعل أكثر الطقوس التي تعطي للعيد "طعمة"، هو انتظار الأطفال صبيحة العيد لجمع "العيديات"، وذلك بعد الاستيقاظ باكراً في أول أيام العيد لمرافقة الوالد إلى الصلاة، ثم التوجه إلى المقبرة لوضع الريحان على قبور الأقارب، لتبدأ بعد العودة إلى المنزل الزيارات التي ينتظر فيها الأطفال أقاربهم للتعبير عن حبهم عبر العيدية.

تغفو جنى ذات السبعة أعوام وهي تسأل والديها محمد وسارة المهجرين من جنوب دمشق "قديش رح أخذ عيديات بالعيد"، ما سبب غصة لديهما لبعدهما عن عائلاتيهما منذ خمسة سنوات. لدى محمد (35 عاماً) ثلاثة أخوة وأربع أخوات جميعهم يعيشون في مناطق النظام، وقد أصبح لديه طفلتان ولدتا في عفرين بعيداً عن كل أقربائه في دمشق. يقول "أشعر بمقدار الفجوة التي ستنشأ في حياة طفلتين بعيداً عن باقي العائلة".

محمد ليس الوحيد الذي انفصل عن عائلته بعد التهجير، فمهجرون كثر يعيشون وحيدين دون أقرباء منذ تهجيرهم من مختلف المناطق السورية الثائرة، ما جعل أبناءهم يجهلون بهجة العيد في جو العائلة كاملة، ولا يعلمون معنى كلمات مثل عمي وخالي وعمتي وخالتي إلا من خلال شاشة "الواتساب"، ولا ينتظرون صبيحة العيد لإجراء جولاتهم المكوكية للحصول على العيدية، ذلك الفقد يحاول المهجرون ملأه من خلال العلاقات الاجتماعية التي بنوها منذ تهجيرهم، حيث صار تبادل الزيارات العائلية بين الأصدقاء يضفي بعض الفرحة على العيد، ويجعل أطفالهم يحصلون على العيدية من خلال ما ينفحه الأصدقاء لأبناء بعضهم البعض من نقود وحلوى.

يجهز محمد قطعاً نقدية من فئات صغيرة (خمسة وعشرة ليرات تركية) أثناء زيارته لأصدقائه المهجرين لتقديم عيدية لأطفالهم رغم دخله المحدود الذي لا يتجاوز سبعين دولاراً في الشهر، وعند الخروج من الزيارة يضحك عندما يرى طفلتيه تمسكان فرحتين ببعض النقود، وتطلبان منه أن يضعها في حقيبتيهما الصغيرة، وينظر إلى زوجته التي تخبره "تمت عملية غسيل الأموال بنجاح"، تعبيراً عن أنها قامت بإعطاء أطفال صديقهم العيدية. وفي حين جمعت كل من جنى وأختها خمسين ليرة تركية لا تملان من إخراجها من الحقيبة مراراً وتكراراً، دفع أبويهما عيديات لأطفال الأصدقاء يقترب مجموعها من ذات المبلغ.

لا تقتصر مظاهر التعويض تلك على العيديات. تجهز عفيفة صينية الحلوى وتضعها قرب باب الخيمة منتظرة مرور أطفال جيرانها الذين تعرفت عليهم بعد تهجيرها منتصف عام 2019 من ريف حماة، وتقول "هؤلاء أطفال لا يعلمون ما يجري حولهم، ولم يجدوا فرحة العيد وسط عائلاتهم. نحاول تعويضهم بصنع شيء من الفرحة لهم". مستذكرة عادة فتح أبواب المنازل على مصراعيها طيلة أيام العيد، خاصة في الأحياء الشعبية حيث كانت تسكن عفيفة قبل التهجير، وتحاول تطبيقها في خيمتها في مخيم المحمدية في جنديرس.

بينما يتعمد خالد (30 عاماً) المهجر من دير الزور، زيارة الحاج أبو محمد الذي هجر معه إلى جنديرس في كل عيد رفقة أبنائه، ويسر برؤية أبنائه ينادون أبو محمد "جدي" تقليداً لأحفاده، ويوضح خالد "أحاول من خلال هذه الزيارة بناء مشاعر عائلية لدى أطفالي الثلاثة، وخاصة الشعور بوجود الجدين".

أما مسحة الحزن التي تملأ بيوت وخيام المهجرين بغياب أحبائهم، فتحل محلها مكالمات فيديو تخترقها نوبات البكاء، رغم التصميم مسبقاً على إخفاء مشاعر الحزن والاشتياق عن الأطفال، لينقذ هؤلاء الموقف بمحاولاتهم عرض ما اشتروه من ملابس وألعاب عبر شاشة الجوال، طمعاً بسماع تعليقات جميلة.