عمال الأجرة اليومية منسيُّون في المناطق المحررة

من الإنترنت في إدلب

تتفاقم معاناة عمال الأجرة اليومية خلال شهر رمضان فوق معاناتهم الدائمة، إذ تصبح حاجتهم للعمل أكبر من باقي الشهور، لتغطية مصاريف الأسرة المتزايدة، تزامناً مع الارتفاع الجنوني لأسعار جميع السلع الذي شهده الشمال السوري منذ بداية الشهر، وتدهور قيمة الليرة التركية المتعامل بها فيه.

الشاب حميد الطارش (٣٧عاماً أب لأربعة أطفال) يقطن نازحاً من ريف حلب في مخيمات حربنوش شمال إدلب، ويعمل حمالاً لتأمين لقمة العيش. يقول إن عمله في رمضان بات ”أشبه بالأعمال الشاقة، ولا يغطي سوى جزء بسيط من  مصاريف الشهر ولوازم عيد الفطر باهظة الثمن“. 

في بعض الأحيان لا يجد حميد عملاً، فيعود إلى خيمته بيدين فارغتين. يقول بحزن ووجه شاحب منهك: "مشقة عملنا صار يضاف إليها مشقة الصيام. نعمل ٧-٨ يومياً مقابل أجرة بين ١٥ و٢٠ ليرة تركية. في كثير من الأحيان نكاد نفقد وعينا من شدة الجوع والعطش والإرهاق". ويرفض الطارش على الرغم من كل هذه المعاناة أن يجلس في خيمته مكتوف اليدين، منتظراً الحصول على سلة إغاثية لا تكفي لسد الرمق حتى، "هذا إن وجدت" على حد تعبيره. ويشير إلى أن حالته تلك هي حالة آلاف السوريين الذين باتوا يعيشون على قوت يومهم، دون القدرة على تأمين مصاريف إضافية تخص الطبابة وشراء الملابس ولوازم المنزل.

 يواجه العمال في المناطق المحررة ظروفاً صعبة ومشاكل عديدة تتمثل بالغبن والاستغلال فيما يتعلق بأجورهم، فساعات العمل طويلة وشاقة والأجور متدنية وغير ثابتة، ولا تتناسب مع مصاريف المعيشة، كما يعاني الكثير منهم من نقص فرص العمل في ظل غياب تام لوجود نقابة أو أي جهة يلجؤون إليها لتحصيل حقوقهم. على أن اللافت للنظر حسب من تكلمت معهم ”عين المدينة“، كون قسم كبير من هؤلاء العمال هم من النازحين والمهجرين.

يعمل خالد العلي (٢٧عاماً مهجر من ريف حماه) ساعات طويلة من يومه في نقل مواد البناء أو إزالة ركام المنازل المدمرة، بغية الحصول على ما يسد به رمق عائلته المكونة من زوجة وأربعة أطفال. لم تسمح له ظروف الحرب بإكمال دراسته أو تعلم مهنة جراء نزوحه المتكرر؛ اعتمد قبل النزوح على تربية المواشي وبيع منتجاتها، لكن الفقر أجبره على بيع مواشيه خلال السنوات الماضية، وآلت به الأحوال ليكون عاملاً بالأجرة اليومية.

يشتكي خالد من تدني أجور اليد العاملة في الشمال السوري، ويقول لـ“عين المدينة“ شارحاً دافعه في التمسك بعمله: "أعمل طوال النهار من أجل خمس عشرة ليرة تركية، وهي بالكاد تلبي جزءاً بسيطاً من احتياجات الأسرة؛ شيء قليل أفضل من لا شيء، خاصة وأن هنالك عشرات من الشبان عاطلون عن العمل، ويتمنون العمل بأي أجر كان في ظل الظروف المعيشية الصعبة". ويضيف العلي بأن عمله هذا ليس مستقراً رغم كل مساوئه، فأحياناً ينقطع عن العمل لأيام طويلة، ولتغطية المصاريف اليومية يضطر لاستدانة المال من أحد الأقارب أو الجيران.

وحمّل العلي كامل المسؤولية في معاناته وأقرانه للمعنيين في ”حكومة الإنقاذ“. يقول: "هؤلاء حتى الآن لم يتحركوا بأي قرار لضبط أجرة العمال بالليرة التركية بما يتناسب مع الغلاء الفاحش في المناطق المحررة. بل بات شغلها الشاغل فرض الضرائب ورفع الأسعار وزيادة آلام الناس بدل تخفيضها".

للمرأة نصيب في معاناة عمال الأجرة اليومية في المنطقة، فالكثير من النساء مضطرات للعمل بالأجرة اليومية الزهيدة بمجهود شاق بغية تأمين لقمة العيش الكريمة في ظل غياب المعيل، كحال الأرملة العشرينية مها السيد، التي تسكن في إحدى مخيمات قاح الحدودية؛ استشهد زوجها في الحرب الدائرة وباتت المعيلة الوحيدة لطفلتيها الصغيرتين، لذلك تخرج صباح كل يوم من خيمتها متوجهة إلى الحقول القريبة لتعمل بجز الأعشاب الضارة، ويستمر عملها حتى مغيب الشمس لتكسب عشر ليرات تركية فقط.

تقول مها: "أعلم أن أجرتي متدنية مقارنة بساعات العمل الطويلة، فهذه الأجور لا تكاد تكفي تكلفة طبخة خضراوات، ولكن ليس باليد حيلة. حالي يشبه حال الكثيرات من النساء اللواتي ليست لديهن شهادة أو مهنة تساعدهن على إيجاد فرصة عمل يؤمن دخلاً أفضل، ولا يوجد أي جهات حكومية في المنطقة تفرض على أرباب العمل زيادة أجورنا“.

يبحث عمال المياومة بشكل دائم عن أعمال ثابتة تجعلهم غير عاطلين عن العمل في بعض أسابيع الشهر أو الفصول، حتى إذا كان بأجر أقل من أجورهم، متبنين بذلك فلسفة خاصة، ترى أن القليل الدائم أفضل من الكثير المنقطع، رغم أن الكثرة في وضعهم نسبية. 

وائل الجسري (٤٠ عاماً، مهجر من ريف إدلب الجنوبي في مخيم حربنوش) عمل في البداية مياوماً، وتنوعت الأعمال التي عمل بها بعد نزوحه، مثل الزراعة أو القطاف والحصاد مقابل أجر يومي قدره ١٥ ليرة تركية، وبسبب عمله المتقطع وجد عملاً براتب شهري قدره ٣٠٠ ليرة تركية، وعلى الرغم من الدوام الطويل والراتب القليل، فإنه يجده أفضل، كما أن فرص العمل تجبره على القبول بأي أجر يفرضه صاحب العمل الذي يمكنه بكل بساطة الاستغناء عنه إذا طلب أجرة أكثر.

محمد العبد الله عضو مجلس محلي في ريف إدلب، رأى أن هذا الواقع فرضه كون "المنطقة فقيرة بالمعامل والمصانع، فالعمالة غير مطلوبة، حيث زاد العرض (في سوق العمل) على حساب طلب أصحاب المصالح ورؤوس الأموال، وبالتالي هناك تضخم كبير باليد العاملة مع قلة فرص العمل المتاحة".