عمارة قبر حافظ الأسد وحرّاسه

بدأت قصة ضريح حافظ الأسد حين مات ابنه باسل، بحادث سيارةٍ في العام 1994، ودفن في أرضٍ على أطراف القرداحة. وحُدّد موقع الدفن وقتها بحيث يشاهَد الضريح، الذي سينشأ لاحقاً، من مسافاتٍ بعيدة.

لا يُعرف المعماريّ الرئيسيّ الذي صمم المبنى، لكن افتقاده الموهبة والذوق، حسب ما يبدو من تجميعه مفرداتٍ هندسيةً من أعمال شهيرة، يدل على أنه واحدٌ من خرّيجي جامعة تشرين أو «دكاترتها» البعثيين. ففي تقليدٍ للمعبد البهائي في الهند –رغم قشرياته على شكل وردة-  تألف المسقط الأفقيّ للضريح من تقاطع مربعين، ليبدو نجمياً بـ(16) ضلعاً، تحدد ثمانية مثلثات، تتوسط كل منها قبةٌ صغيرةٌ في السقف. يقع قبر باسل تحت واحدةٍ من هذه القباب، وكذلك الأمر مع قبري مجد وأمهما أنيسة، لتظل ثلاثة محلاتٍ شاغرة، لبشرى وبشار وماهر، فيما تشغل مسارات الدخول والخروج مسقط القبتين الأخيرتين. وفي المركز، تحت القبة الكبرى، قبر حافظ الأسد الذي عرضت عليه، على الأرجح، المخططات والمجسمات التصميمية للضريح قبل الشروع بالتنفيذ، وحتماً هو من أوصى المصمم أن يدخل في مخططاته حساب قبرٍ له، فمن يجرؤ على هكذا توصيةٍ غيره!

أراد المعمار أن يحمل الضريح أبعاداً توحي بالهيبة والتفرّد، فجاء المبنى مكتملاً وغير قابلٍ للإضافة. وأراد، في بعدٍ آخر، أن يرسل إيحاءاتٍ دينيةً من الخارج ومن الداخل أيضاً، إذ يمشي الزائر من الباب الخارجيّ مسافةً ويصعد أدراجاً ليصل الى الضريح، ثم يدخل من بابٍ غير واسعٍ مستقبلاً القبر المركزيّ ولا يستدبره، ليطوف باتجاهٍ موجبٍ مثل الطواف حول الكعبة، حسب ما تفرض مسارات الحركة، انطلاقاً من باب الدخول. كانت كل تلك الطقوس محترمةً من جانب الزوار قبل الثورة، ولكن الحال تغيّر بعدها، فدبت مظاهر فوضى غير مقصودةٍ بالطبع، وصار خرق «قدسية» المكان، باستدبار القبر من قبل ملتقطي صور السيلفي خاصةً، أمراً مألوفاً. وبلغت الخروقات حدّ أن الفنانة رغدة زارت الضريح سافرةً ببنطالٍ مموّه، لتجلس تقريباً في مكانٍ كان محرّماً على أمثالها من قبل، فوق رأس حافظ الأسد. فضلاً عن تحلل حراس الضريح أنفسهم أحياناً من اللباس الرسميّ، ومن الضوابط الأخرى، بالتدخين على الباب وربما قرقعة المتة، كأنهم أمام كشكٍ أو مجرّد مفرزة.

تدير الموقع وتحرسه وحدةٌ خاصةٌ من الحرس الجمهوريّ تسمى «سرية الضريح». في الأيام العادية تقابل كل ثلاث ساعات حراسةٍ للعناصر ست ساعات استراحة. ويتغير البرنامج كلياً في الأيام النوعية التي تصادف ذكرى وفاة أحد «الغوالي» المدفونين في الضريح، إذ يستنفر الجميع طوال النهار، وتشغل الاذاعة الخارجية على تلاوة القرآن أو على كلماتٍ منتقاةٍ لحافظ الأسد مصحوبةٍ بموسيقى تصويريةٍ مؤثرة.

قبل الثورة كان عدد أفراد سرية الضريح نحو مئتين من مجندين ومتطوعين، ضباطاً وصف ضباط، بإمرة عقيد. ثم تقلص العدد خلال هذه السنوات مع كل مجموعةٍ تنقل منها الى جبهات القتال، ليصير لسرية الضريح هي الأخرى «شهداء» بمن لقي حتفه من عناصرها في المعارك.

حراس الضريح

حراس الضريح