على ظهور الجياد.. آل الأسد والجدعان في مهرجان

متداولة من صفحات موالية للنظام على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر رجالاً يتنقلون بواسطة “الأحصنة” و”البغال”، وذلك عوضاً عن السيارات، بعد أزمة المحروقات الحادة التي تشهدها مناطق سيطرة النظام.

بدأ مهرجان الشام الدولي للجواد العربي على أرض معرض دمشق الدولي، بعد أيام قليلة من حيازة "شام ماهر الأسد" للمركزين الأول والثاني في بطولة الفروسية في سوريا، لتجدد من خلال صورة التقطت لها تضع فيها قدمها اليمنى على منصة الفائز الثاني، واليسرى على منصة الفائز الأول، حضور آل الأسد كمحتكرين لتلك الرياضة، قادرين على وضع أقدامهم في مختلف منصاتها في سوريا، وجعلها من الرياضات الأكثر حضوراً، في بلد ما زالت الرياضة فيه هي كرة قدم يرميها أستاذ مدرس الرياضة في الشارع لطلابه الذين يركضون خلفها ويكسرون بها شباك المدرسة.

لكن، وإضافة إلى السخرية من سوء الوضع الخدمي في المدن السورية وشح الوقود وخفض المخصصات اليومية لعربات النقل، دعا سوريون إلى الاعتماد على الأحصنة في التنقّل، واستعادة دور الحيوان التاريخي في هذا السياق، و برمزية التردي الحضاري الذي تعيشه سوريا كل يوم، واستعادة مكونات الحياة من عصور سابقة، في أرض مسحتها الطائرات الحربية، وطحنت أي مكون حضاري فيها.

فعلى هامش ركام محيط العاصمة، وبعد أيام من قصف إسرائيلي استهدف موقعاً للنظام السوري، وعلى بعد كيلو مترات قليلة من أطول طوابير تشهدها البلاد تاريخياً أمام محطات الوقود، يسعى باسل الجدعان لإقامة مهرجان يتغنى بالخيل العربي، ويفتح مزاداً لبيع الخيول، ومعرضاً لصورها، والصناعات التقليدية المرتبطة بها. الجدعان وهو خال شام صاحبة المركزين، شقيق منال زوجة ماهر الأسد، الزوجة التي تعرّفت على زوجها على صهوة جواد عربي، في إحدى مضامير سباق الخيل التي لم يكن يعرفها إلا آل الأسد ومجموعة من الأسر المتنفذة الارستقراطية كالجدعان، إضافة إلى بعض محترفيها الأصلاء ممن اضطروا لتركها خوفاً من التفوق على أحد أفراد الأسرة الحاكمة، ليكون مصيرهم مشابهاً لمصير عدنان قصار، الذي قضى ما قضى في سجون النظام بتهمة انتصاره على باسل الأسد "الفارس الأول" حينها.

عاصمة التناقض دمشق، التي تزداد فيها وبشكل شبه يومي قدرة النظام على خلق التناقض، وإبداعه في اللامعقول، فكلما ازداد حضور التصحر فيها وحولها، وكلما تقدم مظاهر هدم البنية الاجتماعية والاقتصادية فيها، خرج النظام بصورة لا تنتمي إلى أي منطق علمي واقعي. صورة تمثّل باستثنائيتها، الاستثناء الأهم على وجه الكوكب، وهو استمرار هذه الأسرة في حكم هذه البلاد فوق خرابها ومقابرها الجماعية.

سيأتي الفرسان على صهوة جيادهم إلى مدينة المعارض، الجياد السمينة القوية، التي تنال ما تناله من عناية ورعاية صحية وغذائية، فيعرضون قوتها وقوتهم في سياستها، سيبهرون الحضور من إعلاميين وأبواق ومرافقة، بالغبار تحت حوافر الخيل. بصور خيلهم، وإكسسواراتها، بأنواع المواد التي يغسلون بها أجسادها، بالأدوية التي يعطونها إياها. سيكون بين الفرسان أُسُوْد كُثر، إضافة إلى أقرانهم من الأسر التي تربطها بالأسود علاقات زواج ومصلحة. مهرجان قد يجمع تماماً رسامي وأبناء رسامي هذه اللوحة التشكيلية الغرائبية (سوريا)، بأبهى صور التناقض فيها، يحيون التراث العربي الذي يعتبر الخيل أحد أهم تجلياته، بعد أن مسحت بلاد برمتها تحت حوافر خيولهم.

مسيرة الشام الكبرى للخيول العربية الأصيلة، هي أول فعاليات المهرجان، حيث سيمضي كل المشاركين على ظهور جيادهم أمام الجمهور، وستلاحقهم الكاميرات، بصورة جيش من الفرسان خرج من دمشق بعد معركة دامية، ليعرض قدرة خيله على الجري والقفز، ستدفع مبالغ طائلة في المزادات، وسيكون من بين المشاركين فرسان من دول صديقة، اعتادوا الحضور في أي مهرجان ليكسب بهم الصفة الدولية، ويؤكد على استمرار مطار دمشق الدولي باستقبال الضيوف رغم كل ما جرى.

سوريالية المشهد الواضحة لكل من يراه، حتى للفرسان أنفسهم الذين يجدون في هذه السوريالية رداً متكرراً على أعدائهم بالطريقة نفسها "الكذب والجكر"، أعدائهم من شعوب ودول. سوريالية لو امتطى فيها هؤلاء الفرسان ظهور بعضهم، أو لو امتطوا ظهور سكان حي شعبي من دمشق وضربوا مؤخراتهم بالسياط ليسرعوا أكثر، لكان فيها من الواقعية ما ينتمي إلى سوريا بجدارة.