علاقة الإدارة الذاتية بمؤسسات النظام الخدمية والإدارية

من الإنترنت في الحسكة

عادت المياه إلى مجاريها في مدينة الحسكة، كما عادت الكهرباء إلى منازل أهالي مدينة رأس العين شمال الحسكة، بعد انقطاع دام حوالي أسبوع، وهو الانقطاع الثامن عشر الذي تشهده مدينتا الحسكة ورأس العين منذ انطلاق عملية "نبع السلام" تشرين الأول 2019. وتعبّر هذه الانقطاعات عن العلاقة الملتبسة والإشكالية بين الأطراف المتصارعة في الحسكة، خاصة النظام و"الإدارة الذاتية"، التي يحيجها تسيير المصالح الخدمية والإدارية ونقص الخبرات لديها إلى التعامل مع مؤسسات النظام وبيروقراطييه الذين يتحكمون بمفاصل مهمة من صراع الخدمات الجاري.
 
تشهد كل عملية انقطاع سيل من الاتهامات المتبادلة بين الأطراف المسيطرة في محافظة الحسكة، فالمجلس المحلي لمنطقة رأس العين من طرف، و“الإدارة الذاتية“ من طرف ثان، والنظام من طرف ثالث. ويعود سبب الاتهامات المتبادلة إلى كون محطة مياه علوك التي تغذي مدينة الحسكة تقع تحت سيطرة ”الجيش الوطني“، في حين تقع محطة كهرباء الدرباسية (52 كم شرق رأس العين) التي تغذي المحطة ومدينة رأس العين بالكهرباء، تحت سيطرة ”الإدارة الذاتية“. 
 
وفي كل مرة تنقطع المياه عن مدينة الحسكة، يتهم النظام عبر وسائله الإعلامية الجيشين "الوطني" والتركي كونهما مسيطرين على المنطقة التي تقع فيها محطة مياه الشرب في قرية علوك شمال الحسكة بحدود 70 كم، الأمر ذاته مع الإدارة، التي ترى أن "الحل الوحيد لحل مشكلة المياه نهائياً هو إخراج محطة مياه علوك من يد الجيش التركي"، وتتهم مجلس رأس العين المحلي بسرقة الكهرباء المخصصة للمحطة، حسب ما صرحت الرئيسة المشتركة لمديرية المياه التابعة للإدارة سوزدار أحمد لوكالة ”هاوار“.
 
في المقابل يرجع المجلس المحلي في مدينة رأس العين السبب إلى انقطاع خط الكهرباء الذي يغذي المحطة، القادم من محطة كهرباء الدرباسية، والذي تسيطر عليه قوات الإدارة، ويصر أنه "لا مشكلة لديه في إيصال المياه إلى مدينة الحسكة إذا تم إيصال الكهرباء" حسب تصريح أحد أعضاء المجلس رفض الكشف عن اسمه.
 
على أن السبب يعود في كلا الحالتين إلى النظام الذي مازال يتحكم بمفاصل المؤسسات الخدمية والإدارية في الحسكة، وعلاقة الإدارة بتلك المفاصل، بسبب نقص الخبرات لديها وسيطرة النظام على ”الكونترول“ الخاص بالخدمات. 
 
فالعلاقة التي تجمع بين النظام و“الإدارة الذاتية“ في الجانب الخدمي والإداري، ما زالت تقوم على تبادل المنافع والخدمات، لكن وفقاً للسياق السياسي المحلي الذي يحكم علاقة وحدات حماية الشعب بالحكومة السورية سابقاً، ثم ”قوات سوريا الديمقراطية“ لاحقاً وضمن التدخلات الدولية والإقليمية. ويحدد السياق مجموعة الأوراق التي يمتلكها "حزب الاتحاد الديمقراطي" حيال مسألة الحكم الذاتي ومداه، ويبدأ في الحد الأدنى من وظيفة تسيير الأمور والحفاظ على المناطق التي يسيطر عليها إلى حين، وتنتهي بمدى جدية الإدارة الأمريكية في الإبقاء على قواتها في منطقة الجزيرة التي تحكم فيها ”الإدارة الذاتية“. 
 
وبنظرة أولية إلى المؤسسات الخدمية، تظهر سيطرة ”الإدارة الذاتية“ شبه الكاملة عليها، وتملك وفق ذات النظرة مؤسسات النظام ومديروها مرونة واستقلالية كافية للتحرك وعقد صفقات وتبادل خبرات مع الإدارة، الأمر الذي يظهر من خلال صفقة تزويد مناطق النظام في الجزيرة بمادة المازوت، وذلك وفق اتفاق أجراه محافظ الحسكة مع الإدارة الذاتية بعد سيطرة "وحدات الحماية الكردية" على أغلب أحياء مدينة الحسكة ومحاصرتها المستمرة للمربع الأمني في شهر آب 2016.
 
ففي المناطق التي تسيطر عليها "قوات سوريا الديمقراطية (قسد)" -باستثناء ديرالزور والرقة التي انتقلت مؤسسات النظام فيها إلى مناطق سيطرته في مدينة ديرالزور وحماة- يظهر من سير الحياة اليومية تحكّم سلطات ”الإدارة الذاتية“ بالمؤسسات الخدمية التي ما زالت تقع في مناطقها، لكن الدخول في الكواليس يبيِّن خلاف ذلك، حيث أنشأت الإدارة مديريات وهياكل موازية لتلك التابعة للنظام، مهمتها العمل كصلة وصل بين مؤسسات النظام ومتلقي الخدمات من المواطنين، وتتكفل ”الإدارة الذاتية“ بتسديد عائدات تلك الخدمات بعد أن تقوم بالجباية لصالحها.
 
ينطبق ذلك مثلاً على مديريتي الكهرباء والتموين، بينما تعمل بعض المؤسسات دون عائدات مرجوة للمؤسسة باستثناء مكافآت تصرفها الإدارة للعاملين "النظاميين" فيها، وذلك ينطبق على مؤسسة المياه، في حين تتعايش هياكل ومديريات النظام و“الإدارة الذاتية“ في حالات أخرى مثل التعليم والمحاكم، ويعمل قسم من ذوي الخبرة في هذين المجالين (الموجهون التربويون والقضاة) في مؤسسات الطرفين التي تعمل متجاورة، ولا تشمل تلك الحالة "التشاركية" و"التبادلية" مع النظام الهيئات التي شكلتها ”الإدارة الذاتية“ لتنظيم شؤون هياكلها الداخلية، مثل "مجالس الأحياء والمدن والأقاليم“، أو الهيئات الأهلية مثل "بيت الشعب".
 
لم يطرأ أي تغير من الناحية الإدارية في المؤسسات التابعة للإدارة الذاتية بعد الاتفاق الذي جرى بين الأخيرة و”قسد“ (تشرين الأول 2019). ويتطابق الواقع الإداري في المؤسسات والهيئات والمديريات الخدمية في المناطق التي تسيطر عليها ”الإدارة الذاتية“ مع تصريحات مسؤوليها بأن الاتفاق مع دمشق "هو اتفاق أمني عسكري فقط ولا يشمل الامور الإدارية"، لأن الواقع الذي يلمسه متلقو الخدمات من تحكم ”الإدارة الذاتية“ في العمليات الإجرائية اليومية، يحجب الواقع الفعلي الذي يسيطر فيه بيروقراطيو النظام على مفاصل المؤسسات الحيوية، والذي من خلاله يمكنهم التحكم بتدفق الكهرباء أو حجبها.