شحوار

 

لم يجرؤ قاتله على مواجهته فاغتاله
عندمـــا تكـون دير الـــزور درّة الثــــورة الســــوريـة... يكـون شحـوار

عبد الرحمن الصالح | فراس اليونس

 فجأةً.. رحل مأمون الجاسم (شحوار) عن هذه الدنيا، ليترك وراءه قصةً أقل ما يقال فيها إنها لبطل. فالشاب، الذي برز من جموع المتظاهرين الأولى، التي خرجت من حي المطار القديم بدير الزور، لم يكن يدري أنه سيغدو، خلال أشهرٍ قليلةٍ، واحداً من أهم قادة الثوار. فمن متظاهرٍ سلميٍ تحوّل شحوار، بعد اعتقاله، إلى السلاح. وصار في مدّةٍ وجيزةٍ أستاذاً في فنون حرب الشوارع، ليدخل الرعب، وبرصاصاتٍ قليلةٍ، إلى قلوب جنود الأسد المدجّجين بالسلاح. وكان اليوم الذي حصل فيه شحوار على قاذف (RBG) يوماً مميزاً في حياته، إذ حضنه أثناء نومه من شدة الفرح. ولاحقاً، سيدمّر شحوار بهذا القاذف عشرات الآليات العسكرية لجيش الأسد، ليكون صياد الدبابات الأول في دير الزور.

مناقب شحوار كثيرة، وأخباره كذلك. ففي كل معركة خاضها ترك أثراً خاصاً به. وهو الذي لم يتخلّف عن معظم المعارك التي شهدتها محافظة دير الزور مدينةً وريفاً، ابتداءً من اشتباكات دوار غسان عبود الليلية، مروراً بمعركة الرصافة ومعارك الدفاع عن مدينة دير الزور، إلى أن أصيب إصابةً خطرة هناك، ليرفض بعدها أن يكون طريح الفراش، متجاهلاً أنه فقد ثلاثة أرباع قدمه.
وأسهم شحوار، مع رفاقه في لواء "أحفاد محمد" الذي شكّله، في معارك تحرير ريف دير الزور، في كلٍ من موحسن والبوكمال والميادين وما تحويه من مواقع عسكرية أسدية، وكذلك تحرير اللواء 113 دفاع جوي، ومعارك المطار الحربي، وغيرها وغيرها من المعارك الكثير. ولم تكن معركته الأخيرة مع عدوّه وجهاً لوجهٍ كما تمنى، بل على العكس تماماً، لم يستطع هذا العدو أن يقترب منه إلا غدراً وغيلةً. وكما قال شحوار لحظة استشهاده: "عملوها الجبناء". وفي تفاصيل ذلك اليوم يقول محمد، وهو شاهد عيان على عملية الاغتيال: كنت في الشارع قريباً من دوار الصناعة. سمعت صوت انفجار. ظننت أنه قصفٌ جويٌ من طائرة. ركض الناس باتجاهاتٍ مختلفةٍ. وسمعت صوت شخصٍ ينادي: "مأمون... مأمون". انتبهنا إلى السيارة. كانت هذه السيارة هي مصدر الانفجار. اقتربت منها لأشاهد شحوار مقطع القدمين منثور الأحشاء.

 

أسطورة قتالية متنقلة

من دير الزور إلى موحسن إلى الميادين فالبوكمال... كانت كل ساحات المنطقة الشرقية تعتاد على صورة شحوار ينقل أنواع الأسلحة بين يديه ويضرب فيصيب... كان سهلاً عليه أن يكسر الجبس المحيط بيده المكسورة منذ أيام، ليحمل بندقيته من جديد ويقاتل، ثم يعود إلى المستشفى مرة أخرى ويقوم بتجبيرها... لم يهتم لكل إصاباته البليغة. كان يؤجّل الاستشفاء إلى ما بعد حالة الشفاء العامة في بلده. كانت يده المصابة لا تنتظر لمسة طبيبٍ بل سلاحاً متجدداً ليضمّد به جرحاً قديماً، بكل ما أوتي من حيويةٍ وذكاءٍ وخفّة ظل. لم تخلُ جبهةٌ في دير الزور من حضوره، مذ كان مقاتلاً عادياً إلى أن شكّل لواء "أحفاد محمد" الذي يعرف كلّ أحدٍ في المنطقة مكانته العسكرية العالية وتميز قائده شحوار، الذي ارتبط اسمه بخصال الشجاعة والمروءة والإقدام. لم يخَفْ شحوار من كل قيادات النظام وأجهزته في دير الزور. وسيذكره أعداؤه كما رفاقه، عندما قال لأمين فرع حزب البعث: لم أسقطكَ أنت إنما اسقطت بشار الأسد.
شحوار ذو الـ 32 عاماً، والمتزوج قبل استشهاده بشهرين، كان يقول لزوجته: إن أتاني طفلٌ سأسمّيه وائل، ليناديه الناس وائل ابن الشهيد شحوار.. لم يستطع قاتله أن يقف أمامه وجهاً لوجه، بل زرع له  لصاقةً  متفجرةً في السيارة اثناء وجوده في مدينة الميادين، ليرحل فداءً لكلّ ما آمن به، ولكلّ من أحب، يوم الثلاثاء المصادف 25/6/2013. وفي مدينته موحسن، ووري شحوار الثرى في مقبرة الشهداء، بجانب من سبقه من رفاق الثورة والسلاح.