رمي أطفال حديثي الولادة في المناطق المحررة.. هل نحن أمام ظاهرة؟

الطفل مع ابنة الحمدو

لم يمضِ على سماعي الخبر ووصولي إلى مركز شرطة عفرين أكثر من عشر دقائق، كنت وصلت إليه لجلبه إلى عائلتي لأنَّني أعرف مدى حاجته للحليب أو صدر أمّ يُرضعه ويحنو عليه، وكلما احتضنته في صدري، واستنشقت رائحته تتسارع دقات قلبي بانتظام لا أعرفه إلَّا في لحظات فرحي بطفولتي، ويكفي أن أنظر إلى عينيه الواسعتين حتّى تشتعل في قلبي أنوار تجعلني أمضي راشدًا.

بهذه الكلمات المؤثرة، بدأ محمد الحمدو أحد أفراد شرطة عفرين حديثه لعين المدينة عن الطفل اللقيط حديث الولادة، الذي وصل إلى مركز شرطة مدينة عفرين شمالي حلب عبْر شخص عثر عليه في دوار نيروز بجانب روضة الأزهار في المدينة بتاريخ 22/ 10/ 2018 وأكد الحدو خلال حديثه أنه سيستمرُّ في كفالته ورعايته.

وقال الحميدو: "زوجتي شاركتني باتخاذ القرار فورًا، فكفالة الطفل أجر عظيم، وهي والدته اليوم بالرضاعة، ولا تستطيع مفارقته مع طفلتنا التي تكبره بخمسة أيام، وكلما أتى ذكره بأيِّ كلمة عن أهله تتغيّر خوفًا من فراقه، وقد أسميته عُمَرَ، ودعوت الله أن يكون رجلَاً صاحب شأن، هو في قلبي ثورة لوحده لمن فهم معنى الثورة، وسأبذل ما استطعت لتربيته، فالموضوع بالنسبة لنا أكبر مما تتصوره عقول، هو إحساس ومشاعر لا يمكن وصفها بكلام، ومنذ دخوله منزلنا لم تفارقنا الابتسامة".

وتابع حديثه: "حاولت التفكير جاهدًا لمعرفة السبب وراء رمي طفل، يبدو أنه أمر يطول شرحه في مجتمعاتنا، لكن أكبر مشكلة تواجه هؤلاء الأطفال هي النسب، فلا القانون السوري ولا التركي يُجيز ضمه لعائلة، والشرع والقانون اتفقا في قضية تسجيل قيده، فذلك لوحده قضيَّة كبرى وجب حلَّها شرعيًّا وإنسانيًّا، وأطالب القانون بأن يجد حلًّا مع مراعاة الخصوصيَّة للأم المرضعة".

وفي هذا الصدد أوضح القاضي خالد شهاب الدين رئيس هيئة القانونيين السوريين الأحرار لعين المدينة؛ أنَّ نظام الأسد طرح قانونًا جديدًا سمّاه "مجهولي النسب" عام 2017، ونُوقش في مجلس الشعب عام 2018 وإلى الآن لم يُقر، فأحكام اللقيط ينظمها المرسوم التشريعي رقم 107، ويُعامل اللقيط بموجبه معاملة اليتيم، فيتم تنظيم شهادة ولادة له بموجب ضبط شرطة وفق الأصول، وتُرسل نسخة عن شهادة الميلاد من دار الأيتام إلى السجل المدني، ويكتسب الجنسيَّة العربيَّة  السوريَّة، والدين الإسلامي في حال لم يُعرف دينه، ويُسجَّل بالسجل المدني باسم ثلاثي مفترض، "وهذا ينطبق على الحالة المذكورة في عفرين، وحتى لو كان توجد حالة إرضاع للقيط، إلا أنَّ ذلك لا يُعتبر سببًا للنسب"، وعلى من يدَّعي أنَّ هذا اللقيط له أو يقربه أن يتقدَّم بدعوى إثبات النسب وفق قانون الأحوال الشخصيَّة إلى المحكمة الشرعيَّة لتثبيت النسب، ويُطبق على أحكام النسب المواد134 و135و 136 .

(ظاهرة) رمي أطفال حديثي الولادة انتشرت في الآونة الأخيرة أمام الأماكن العامّة في مناطق الشمال السوري المحرر، وتكررت خلال الشهريين الماضيين، وكان لكل طفل عائلة ترعاه ريثما يتم كشف مصيره، فقبل وبعد الطفل عمر تم العثور على أكثر من طفل حديث الولادة، منهم في مدينة أعزاز بتاريخ 3/10/2018 تكفل به شخص من تل رفعت، وآخر بحالة صحيَّة سيئة نتيجة تعرضه للبرد الشديد، حيث وُجد مرمياً على قارعة الطريق قرب مدينة سراقب شرقي إدلب بتاريخ 8/ 12/ 2018 ونقل لأحد مشافي المدنية لتلقي العلاج، وفي 16/ 12/ 2017 عثر على طفل حديث الولادة في شارع الثلاثين بمدينة إدلب وتم تسليمه "للأمنية"؛ وقد انتشرت الظاهرة كذلك عندما كانت مدينة حلب محاصرة، ويرجع السبب إلى الخلفيَّة الاقتصاديَّة والتعليميَّة لوالدي الطفلين.

عبد الوهاب عاصي باحث في مركز جسور للدراسات، تطرّق خلال حديثه لعين المدينة عن الأسباب، إذ تتعلَّق في معظمها بظروف الحرب وأخرى أقدم منها، أهمها اتساع نسبة الفقر بين الأسر حيث لم تعد هناك طبقة وسطى، مقابل انتشار الطبقة الفقيرة، وبالتالي يصبح إنجاب الأطفال حملًا إضافيًّا عليها حينما لا تجد العوائل الحد الأدنى من القدرة على العيش، ما يدفعها لاتخاذ قرار برمي الأطفال في الأماكن العامة والتخلّي عنهم.

ويضيف "عاصي" إلى الفقر عدم وجود إرشادات كافية للأسرة حول عمليَّة الإنجاب، وبالتالي يحصل الحمل في ظل احتمال غياب وجود رغبة لدى الزوجين، وقد يدفع مثل هذا الأمر الأسر التي تُعاني من الفقر المدقع للتخلّي عن وليدها الجديد، كل ذلك إلى جانب انتشار العلاقات غير الشرعية، سواء بسبب الحاجة أو بسبب غياب الرادع، حيث تضطر الأم للتخلّي عن الطفل ورميه، وأشار إلى أنَّ أغلب هؤلاء الأطفال يتم احتضانهم من قبل بعض الأسر المقتدرة التي يوجد لديها رغبة في وجود فرد معها من خارج العائلة.

من الصعب اعتبار الأمر ظاهرة، إلا أن تكرار رمي الأطفال حديثي الولادة في ظل بقاء الظروف التي أنتجت ذلك، ثم غياب أي إحصاءات رسمية حول الأطفال المشابهين للحالات المعروفة، إذ يمكن افتراض وجود غيرهم، كل ذلك يدفع الى الاعتقاد أننا سنواجه ظاهرة عما قريب.