حين أُغلق مشفى الشيخ ياسين في دير الزور
ممارسات تنظيم الدولة الوحشية في مجال الصحة

عصام أبو عنزة

رغم كل الوحشية السافرة والمروج لها يلجأ تنظيم الدولة الإسلامية، في كثير من الأحيان، إلى إخفاء بعض أشنع ممارساته. ومن ذلك ما فعله في مشافي دير الزور، خاصة مشفى الشيخ ياسين، على يد طبيبه أبو عبيدة الغزاوي، قبل أن يغلق المشفى نهائياً ويحوله إلى مركز توليد.

يعمل في مدينة دير الزور مشفى وحيد إسعافي (فارمكس) ومركز توليد (الشيخ ياسين) يجري المعاينات لقاء 1000 ليرة سورية. ويضمان قرابة 60 عاملاً، بينهم ممرضون وطبيبان مبتدئان يترددان إلى المدينة كل أسبوع (عصبية وجلدية)، في ظل انتشار الأوبئة والأمراض، كالجرب وشلل الأطفال، دون أن يكون باستطاعة التنظيم التعامل معها بشكل مناسب، ولا السماح للمنظمات الطبية بالدخول إلى الأراضي التي يسيطر عليها للتدخل. فعلى سبيل المثال ارتفعت الإصابات باللشمانيا من 60 حالة مسجلة منذ سنتين إلى مئات الحالات غير المعالجة بسبب عدم استجابة المصابين للقاحات الخاصة، واكتفاء المشفى بعد ذلك بإعطاء مضادات الالتهاب، بعد أن استقر رأي العاملين فيه على أن الداء المنتشر ليس اللشمانيا ولكنه مرض غير مصنف.

في مشفى دير الزور فارمكس بداية 2015 استقر المطاف بالطبيب البريطاني الفلسطيني الأصل عصام أبو عنزة، بعد أن انضم إلى التنظيم تحت اسم أبو عبيدة الغزاوي. وفي المدينة تزوج، واشتهر كطبيب متنفذ يدس أنفه في كل الاختصاصات، حتى وصفه الأهالي ساخرين بأنه «يحيي العظام وهي رميم»، فقد أتاح له القصف الدائم فرصة ممارسة الجراحة، عدا عن معاينة المرضى التي تشمل حتى الأمراض الجلدية، يرافقه العديد من المبايعين الذين تولى تدريبهم على ممارسة الطب. وينقل أحد شهود العيان أن متدرباً طلب من أبو عنزة، وهم فوق سرير جريح جيء به إلى المشفى، بأن يسمح لهم بالعمل: «مو قلت لنا إنه رح تعلمنا الخياط»، ليرد عليه: «هذا أخ، مو من عوام المسلمين أو فأر تجارب».

خلال السنوات التي سبقت تمدد التنظيم عمل في المجال الصحي بمدينة دير الزور أطباء وممرضون ذوو خبرة عالية؛ إلى جانب متطوعين وطلاب جامعات متفانين كانوا يدرسون الطب وقتها، توزعوا في خمسة مشافي (فارمكس، الشيخ ياسين، القحطان، النور، مشفى أطفال) ومراكز استشفاء منفصلة، أغلق بعضها بعد دخول التنظيم المدينة بسبب التضييق، وأغلقت أخرى بطلب من أمير الصحية وقتها أبو آدم المصري، ليصمد، بالإضافة إلى فارمكس، مشفى الشيخ ياسين، الذي أطلق عليه التنظيم اسم ذو النورين، حتى منتصف 2015، حين أغلق بحجة حظر التجول الذي عمم أثناء إحدى المعارك التي شنها التنظيم من المدينة ضد جيش النظام.

عمل كادر ذو النورين، أثناء الحظر، في مشفى فارمكس تحت سلطة المبايعين بقيادة أبو عنزة. ويسمح التنظيم للأخيرين بخرق قوانينه، ويحرم ذلك على البقية، كالكشف على النساء، بدعوى أن مبايعيه تحت القسم، مما وضع الجرحى تحت أيدي مبتدئين ومستهترين تسببوا في حالات وفاة عدة. وبعد رفع الحظر، ومحاولة الكادر العودة إلى العمل في مشفى الشيخ ياسين، أخبرهم أبو عنزة بحاجة التنظيم إليه، وطلب منهم الذهاب في إجازة. وفي تلك الفترة بالتحديد انتشرت شائعات حول وجود شخصية مهمة تتلقى العلاج في المشفى المقفل بزرد حديدي، رجح عاملون فيه أنها أبو محمد العدناني، في وقت خرجت فيه إلى العلن تقارير تفيد بإجراء عمليات بيع أعضاء يشرف عليها التنظيم، لكن مقربين منه ينفون ذلك، لأنه ببساطة لا يملك الإمكانيات اللازمة، رغم أنه يبيح نقل الأعضاء من الناحية النظرية عبر فتوى خاصة.

عاد المشفى إلى العمل بعدها بإشراف الطبيب قاسم عزاوي، الذي بايع التنظيم في وقت سابق، وظل سر إغلاقه مجهولاً، لكن أحد المطلعين على الحادثة يفيد أن أبو عنزة كان يستخدم المشفى لغرض تعليم المبتدئين المبايعين، وذلك باستخدام معتقلين أحياء محكوم عليهم بالإعدام يجري عليهم عمليات تشريح بمشاركة طلابه أولئك، الأمر الذي تؤكده مشاهدة أحد الجوار خمسة أشخاص يدخلون إلى المستشفى في أحد الليالي، ثم يخرجون بعد وقت طويل أربعة يحملون كيساً فيه جثة!