حملة «فلا تظالَموا»
في حوارٍ مع د. وائل الشيخ أمين

أنا إنسان ما لي حيوان!
لعل هذه العبارة كانت ولا تزال إحدى أبرز الصرخات التي حفرت في ذاكرة السوريين وقلوبهم مطلع 2011 حينما انطلقت أولى هتافات الحرّية.

ولأن الحرية مطلبٌ أساسيٌّ للإنسان لا يتحقق إلا بالعدل وإنصاف المظلومين، انبرى عددٌ من المثقّفين والدّعاة السوريين إلى إطلاق حملة (فلا تظالموا) التي تهدف إلى ترسيخ مفهوم العدل وتعزيزه كقيمةٍ أساسية. وقد لاقت الحملةُ صدى واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعيّ، ليتمّ التصويت عليها فتصبح شعار مظاهرات الجمعة 20 أيار الماضي.
وللوقوف أكثر على طبيعة الحملة وأهدافها نستضيف د. وائل الشيخ أمين، أحد أبرز داعمي (فلا تظالموا). وهو طبيب أسنانٍسوريّ، ومدرِّبٌ مختصٌّ في فنون القيادة والتطوير والتغيير.

ما هي طبيعة الحملة وأسباب إطلاقها وأهدافها؟
لو استمعتَ إلى الحوارات الغالبة بين السوريين الأحرار اليوم لوجدتهم يشتكون القمع الوحشيّ للنظام، وتآمر قوى الشرق والغرب عليهم، فضلاً عن خذلان وتقصير من تُرتجى مساعدتهم! كلّ هذا صحيح، لكنه ليس السبب الأساسيّ في ما يجري لنا. يقول الله سبحانه في القرآن الكريم: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}. وقد تقول للوهلة الأولى: وماذا فعلنا حتى نستحق كل هذه المصائب؟ لكنك عندما تُدقّق النظر وترى المظالم المنتشرة بيننا في المناطق المحرّرة؛ تعلم ما كسبت أيدينا، وتعلم لماذا سلّط الله علينا قوى الشرّ والظلم في العالم، بل تقول: الحمد لله الذي عفا عن كثير!
أطلقْنا الحملة لنُطالب أنفسنا أولاً -وكلّ السّوريين الأحرار- بالكفّ عن الشّكوى، والأخذ بزمام المبادرة إلى العمل بإحسان، ورفع الظلم بيننا، وإرساء العدل قيمةً أساسيّةً لا نحيدُ عنها.

من وراء الحملة؟ وما دورك فيها؟
لكلّ حملةٍ جهةٌ تقف وراءها بلا شكّ. ووراء (فلا تظالموا) تقف أنّات المستضعفين والمظلومين ودماء الشهداء التي صارت لدى البعض ماء! كذلك دفعَنا الوفاءُ للثورة التي أول ما خرجت ضدّ الظلم، فهل يعقل أن ترزح تحته اليوم؟
لست إلا أحد جنود وداعمي هذه الصّرخة، ومعظمهم من المثقّفين والكتّاب والدّعاة والناشطين المؤثّرين في الساحة السورية. ونتيجة اهتمامي بفنّ القيادة والتغيير جاء دعمي الكبير لها وتفاعلي معها، لأنني أؤمن بأن غَرْسَ القيم النّبيلة هو من أفضل طُرُق التغيير وأنجعها. ولعلّ مفهوم العدل أهمُّ قيمةٍ نحتاجُ إليها في وسطنا الثوريّ.

توقيتها؟
جاءت الحملة بالتزامن مع ظهور خذلان أُمَم الأرض لنا، وصَدَق فينا شِعار الثّورة الأول: «يا الله ما لنا غيرك يا الله»، ولكن كيف يكونُمعنا وهو القائل في الحديث القدسيّ: (يا عبادي إنّي حرّمت الظّلمَ على نفسي وجعلته بينكم محرّماً فلا تظالموا).
دَعْوتُنا هذه ليست ردّة فعل على حادثةٍ جاءت في سياقٍ زمانيٍّ أو مكانيٍّ هنا أو هناك، وإنما هي مراجعةٌ للذّات ودعوةٌ إلى تصحيح المسار.

من تخاطبون؟
الجميع مخاطَبٌ ومعنيٌّ برفع الظلم... كلٌّ في مكانه. ولطالما عزونا الفسادَ إلى ما يفرضه النظامُ علينا، وها قد كسرنا القيد فلماذا نقبلُ اليوم بالفساد والظلم بيننا!
آسَفُ إذ أقول: إنّ بعض المؤسّسات الثّورية باتت تشابه المؤسسات والدوائر في عهد الأسد في طريقة تعاملها. لا شك أن تغيير الثقافة والتعامل لا يكون بهذه السرعة، وقد يتحقق مع مرور الوقت، إلا أنه يتوقف على مقدار العمل وبذل الجهد.

هل هناك نتائج عمليةٌ ونجاحاتٌ للحملة؟
النّجاح الذي نسعى إليه هو نشر ثقافة رفض الظلم، أياً كان شكله، لتصبح راسخةً وثابتةً في وعي الفرد والمجتمع. فمن خرج ضدّ أعتى أنظمة الظلم والطغيان حريٌّ به ألا يقبل أيّ ظلمٍ آخر! وقد بدأتِ الحملةُ تنمو شيئاً فشيئاً، ولعلّها تأخذ أشكالاً جديدة في المستقبل.
ومن النتائج العملية التي رأيناها بيان الهيئة القضائية لحركة أحرار الشام، التي خصّصت رقماً لتلقي الشكاوى ضد أيّ إساءةٍ من أعضاء الحركة. كما عَلِمْنا أيضاً أنّ بعض المحاكم ترتّب لخطواتٍ مهمّة في هذا الصدد، وكذلك أبلغتنا بعض الجهات العسكرية بتشكيل ديوانٍ للمظالم يقدّم فيه العناصر شكاواهم ضد قادتهم أو المسؤولين عنهم. وهناك عدّة مبادراتٍ عمليّة أخرى، إلا أن معظمها لا يزال في طور الفكرة التي لم تنضج بعد.

أخيراً...
أشكركم على تسليط الضوء على الحملة التي لا شك في أن نجاحها نجاحٌ للجميع، لأنه يعني بالضرورة تصحيح مسار الثورة وتعبيد الطريق نحو وصولها إلى هدفها بشكل أسرع، ويتأتّى ذلك بزيادة فاعلية العاملين فيها، وعودة من أعرض عنها بسبب ظلمٍ وقع عليه، وبالتالي إعطاءُ قوّةٍ ناعمةٍ وزخمٍ أكبر للثورة ليعود النّاس فيجذبوا إليها من جديد!