حصار الركبان.. هيستيريا الأبدية في تيه «سوريا الأسد»

متداولة لمخيم الركبان

شهدت سوريا، خلال السنوات السبع الماضية، حصارات تفوق المتصوَّر في بلد بمساحتها، وبالكاد يجد المرء محافظة، لم يتعرض جزء منها لحصار وتجويع مديد؛ يتجاوز حتى منطق جرائم الحرب واعتياداتها.

غير أنّ حصار مخيم الركبان على الحدود السورية الأردنية، يتفرد بأنّه حصار خارج حدود الحياة، وحصار في العدم ذاته، حيث لا اعتياد ممكناً بين المحاصرين وبيئتهم، ولا موارد يمكن التقتير فيها إلى حدود الرمق، ففي مخيم الركبان حيث لا يوجد هذا الرمق؛ يموت ببطء نحو سبعين ألف مدني، في تيه قاحل وقاسٍ ومنسي، وتتنازع حدود الجغرافيا السورية الموصدة على القتل والإبادة، مع هوس النظام وحلفائه ورعاته، في الإمعان بتشكيل صورة البؤس القاتل.

وبينما يهرع بشار الأسد، ومن ورائه الإيرانيون والروس وحشد المليشيات الإرهابية التي باتت كل وجوده العسكري، إلى توطيد ما يسوقه كـ"انتصار"، عبر بوابات "قانونية" وتنفيذية وعسكرية، فإن حصار الركبان يبقى جسراً بين الوحشية العارية التي لم تتوقف يوماً، وبين تأسيس الحصار المركّب اجتماعياً وسياسياً وسلطوياً للسوريين؛ كحامل لاستئناف هيستيريا الحكم الأبدي عند الأسد وشبيحته.

يموت مدنيون سوريون غالبيتهم من الأطفال والنساء جوعاً وعطشاً في قحط البادية، ويُجلد الباقون بترفٍ أجوف لقوننة دينهم بمرسوم يدعى "تنظيم الأوقاف"، لا يرمي سوى إلى التعفيش الرسمي، وإلى تجريم حق الناس في التديّن.

تدبّ جريمة الإبادة في الركبان على أجساد المحاصرين، واحداً تلو آخر، كما تفعل هوائم الصحراء، بينما ينشغل النظام في اجتراح مراسيم حاكمة لمن يعيشون تحت سطوته، متجاهلاً غرق المجتمعات المحلية في أتون دائرة عنف قاتل، وانتشار للجرائم، في بيئة انفلات أمني وغياب للقانون، حيث استقالت الدولة من مهمة تأمين المواطنين؛ تاركة لمليشيات إيران أن تبني معازل تحت ستار احتفاء زائف بعودة "الأمن والأمان.

"حصار الركبان اشتقاق لعقل "السفاح الآمن"، الذي كرّسه حافظ الأسد عبر ديناصورات القمع الوحشي، مثل علي دوبا، الذي مازال نموذجاً يحاول بشار الأسد استخدام إرثه في الانتقام من السوريين، عبر تعميم سقوط القانون، وتسميم حياتهم بالموت، وفقاً لمقتضيات مزاجه الذي لا يكنّ أيّ اعتبار للحياة خارج زنازينه.. وما الركبان إلّا زنزانة هائلة في الصحراء للمحكومين بالإعدام دون محاكمة.