جدري الماء .. وباء جلدي ينتشر في إدلب وسط أوضاع صعبة يعيشها الكثير من سكانها

بعدسة الكاتبة

ارتفعت نسبة الإصابات بمرض جدري الماء في إدلب وشمال غرب سوريا  بشكل كبير في الآونة الأخيرة، لا سيما في مناطق المخيمات نتيجة ندرة المياه، وقلّة الخدمات الطبية المقدمة للأهالي، وانتشار العدوى بين الأطفال وخاصة مع اقتراب وتلاصق الخيام بعضها ببعض.

لم تتوقع النازحة ردينة العلي (٣٣ عاماً) أن إصابة طفلتها نور البالغة من العمر خمس سنوات بمرض جدري الماء سينتقل عن طريق العدوى لإخوتها الأربعة، ما خلق لديها حالة من الإرباك والحيرة في كيفية علاج المرض والتعامل معه بعد أن غزا عائلتها.

تقول ردينة أن الوضع الصحي داخل خيمتهم أضحى مأساوياً، وخاصة مع ارتفاع درجات الحرارة وإصابة جميع أبنائها بالجدري، الذي يصعب السيطرة عليه وسط الفقر وقلة الخدمات والرعاية الصحية.

"جافى النوم أطفالي طيلة الليل جراء الحكة الشديدة وارتفاع درجة حرارتهم، انتشرت الحساسية والبثور في كامل أجسادهم الصغيرة، وهو ما دفعني لاصطحابهم إلى أقرب مركز صحي لمنحهم أدوية مخففة من أعراض المرض".

وتضع العلي اللوم على السلطات القائمة التي لم تبذل جهداً لإيجاد حلول لواقع مخيمهم دير حسان الرديء، خاصة أنه يقع على مقربة من مكب النفايات في الدانا حيث تكثر الحشرات والفيروسات، وتضيف "همومنا آخر ما تفكر به سلطة الأمر الواقع التي لم تفلح حتى اللحظة بتحسين الواقع المعيشي لآلاف النازحين. كل ما نجحت به زيادة الأعباء علينا بدلاً من تخفيفها".

يعتبر الجدري من أكثر الأوبئة الفيروسية من حيث الانتشار والتفشي، فهو مرض فيروسي معد، ويظهر على صورة طفح جلدي على هيئة بقع حمراء اللون، وتكون هذه البقع متهيجة تسبب حكة شديدة.

يبدأ ظهور البقع في البطن والوجه والظهر وسرعان ما تنتشر على سطح الجلد كله، وتكون في البداية بثوراً أو حبوباً صغيرة شفافة اللون ومليئة بالماء لذلك سمي (جدري الماء)، ثم تمر هذه البثور بمرحلة جفاف الماء بصورة كاملة وتتقلص إلى أن تختفي كلياً، وهو ما أوضحه الطبيب دريد الرحمون مسؤول الرعاية الصحية الأولية في مديرية الصحة التابعة ل"حكومة الإنقاذ" في إدلب.

عجزت حميدة الشيخ (٣٠ عاماً) عن اصطحاب طفلها أحمد البالغ من العمر ثلاث سنوات إلى أي مكان لمعالجته بعد إصابته بمرض جدري الماء، نتيجة بعد مخيم الوادي الذي تقطن فيه في جبال حارم شمال غرب إدلب، عن أي مركز صحي أو مستشفى مجاني.

وبينما تتأمل حميدة وضع ابنها الصعب بالتزامن مع فقرها وعجزها وقلة حيلتها بعد وفاة زوجها بحادث سير أواخر عام ٢٠٢١، تقول أن الذهاب إلى المراكز الصحية مكلفة وتحتاج إلى وسيلة نقل وهي غير متوفرة في المخيم، عدا عن أن أجور كشفيات ومعاينات الأطباء الأخصائيين وشراء الدواء بات رفاهية للكثيرين العاجزين عن تأمين كل تلك المصاريف.

وتشكو حميدة انعدام وجود أي نقطة طبية مجانية في مخيمهم أو على مقربة منه من شأنها تقديم خدمات الرعاية الصحية الأولية للنازحين ممن ضاقت بهم الحياة وانعدمت بهم السبل وانهالت عليهم الأمراض والأوبئة في بيئة معيشية قاسية تخلو من أي دعم أو حماية.

وكشفت مديرية صحة إدلب التابعة لحكومة الإنقاذ عن ٦٥٠ إصابة بمرض "جدري الماء" في مدارس ومخيمات محافظة إدلب خلال الفترة الماضية بحسب الرحمون، الذي أشار في حديث لعين المدينة إلى أنه "بعد رصد هذه الإصابات لدى طلاب المرحلة الأولى، قامت فرق الصحة المجتمعية بحملات توعية كاملة ضمن تلك المدارس حول طريقة العلاج والوقاية من الانتشار والمتابعة".

وأكد أن جدري الماء هو عبارة عن مرض معدي، لكن الإصابة به ومرحلة الشفاء منه تمتد بين ٣ و٢١ يوماً، ولا يكون له مضاعفات شديدة إلا لدى المرضى الذي يعانون من نقص المناعة والأطفال حديثي الولادة ومرضى السرطان الذين يتناولون أدوية خاصة بالمناعة.

وأضاف رحمون أن العلامات الأساسية للمرض تتمثل بـ "الحكة وظهور الحبوب والبثور على كل مناطق الجسم"، مبيناً أن "المرض يحتاج إلى اختصاصي لتشخيصه واكتشافه".

وأشار الرحمون أن العلاج يتم عبر "التعقيم بمحلول هيكزاميدين وخافض حرارة عند اللزوم، ومضاد للحكة في حال كانت شديدة، والأهم ألا تتعرض المنطقة المصابة أو الجسم للماء خلال فترة الإصابة لأنه من الممكن أن يزيد انتشاره".

ودعا إلى عدم الخوف من المرض، فهو يصيب الشخص مرة واحدة في حياته كما أنه قابل للشفاء بشكل كامل خلال مدة زمنية معينة، ولا يتطلب علاجه أكثر من اتباع سبل الوقاية وبعض المعقمات والحذر من انتقال العدوى لبقية أفراد العائلة عبر استخدام أدوات خاصة بالمصابين.