ثلاث تجارب لمهجرين تملكوا بيوتاً خاصة شمالي سوريا

اشترى أبو حسين منزلاً متواضعاً في إحدى الضيع المتناثرة بعفرين شمال غرب سوريا، المال الذي ادخره لخروجه إلى تركيا مع زوجته وأطفاله الخمسة دفعه ثمناً للبيت، إذ لم تفلح محاولاته المتكررة في المرور نحو الجانب الآخر من الحدود، فكرس نهاية هذه المحاولات الفاشلة بامتلاك بيت يتجاوز ال 200 متر مع قطعة أرض بفناء المنزل قام بتشجيرها.

"غدوت صاحب منزل خاص كما في مدينتي الأصلية في الغوطة الشرقية" يقول الرجل بابتسامة جميلة توحي بأن هناك معيشة جيدة تنتظره بعد أن أجبر على المكوث في المناطق المحررة التي تديرها المعارضة، "أشعر بالاندماج الحقيقي مع سكان الضيعة التي أقطن فيها". كل صباح ومع الإطلالات الأولى للشمس يصحو أبو حسين على صوت جاره الكردي الذي ينادي عليه حاملاً صينية القهوة، جاره الآخر مهجر مثله من ريف دمشق، يصحبه كل يوم في الطريق للعمل في بسطة لبيع المحروقات بمدينة جنديرس القريبة. ويخطط أبو حسين اليوم لشراء متجر صغير أو قطعة أرض يبني عليها متجراً لبيع المحروقات، طموحه لا ينتهي.. إذ ربما سيبني متجراً صغيراً آخر لبيع الخضار والفاكهة وبطاقات النت.

لا توجد إحصائية تتكلم عن عدد المهجرين الذين حصلوا على بيوت خاصة، لكن هناك محاولات (تقف خلفها فصائل عسكرية) لمساعدة المهجرين على شراء شقق سكنية رخيصة يدفع ثمنها نقداً أو بالتقسيط. فبعد سنة تقريباً من استقراره في قرية بابسقا شمالي إدلب، أعلن "لواء شهداء الإسلام" أكبر التشكيلات المقاتلة لمدينة داريا عن مشروع سكني في قرية كلبيت يشمل بيع أراض وشقق غير مكسوة لأهالي المدينة.

اشترى أبو وليد شقة غير جاهزة للسكن بمبلغ 1900 دولار، كان عليه تأهيلها وتجهيزها بمبلغ يقل أو يكثر عن المبلغ السابق "بحسب الرغبة وطريقة الكسوة" على حد قوله، والآن وبينما يعد نفسه للزواج بات منزله الجديد والذي امتلكه "بعرق الجبين" جاهزاً للسكن. 

على النقيض من أبو حسين لم يشعر أبو وليد بالرغبة في الاندماج بسكان الضيعة والقرى المجاورة، وذلك لأن المشروع السكني الذي اشترى بيته فيه أقيم على أساس إيجاد تجمع جديد لمهجري داريا، وكما يؤكد الشاب الذي تجاوز ال28 عاماً "نجحنا في خلق مجتمع بديل عن مجتمع داريا لكن بصورة مصغرة جداً.. الجميع حولي من أبناء مدينتي، اشتروا منازل جاهزة أو قاموا بشراء الأرض ثم بنوا بيوتهم بالطريقة التي يفضلونها".

البعد الاقتصادي في تجربة أبو وليد وسكان التجمع السكني في كلبيت يبدو واضحاً، فعلى المرء دفع مبلغ لا يقل عن 100 دولار شهرياً لاستئجار منزل في القرى الحدودية للريف الشمالي مثل عقربات وسرمدا والدانا وسلقين، وهو مبلغ كبير نسبياً ولا يمكن لمعظم المهجرين المواظبة على تسديده لفترة طويلة.. لذلك وعلى حد تعبير أبو وليد "كانت فرصة شراء شقة بمثابة قشة النجاة للعشرات من أبناء داريا المقيمين على الحدود".

منذ أن وطأت قدماه أرض إدلب أقام أبو جمال (35 عاماً) في الريف الشرقي للمدينة، تعرضت المنطقة التي يقيم فيها للقصف عدة مرات، واضطر لتغيير منزله المستأجر بعد قيام أصحاب البيوت برفع الأسعار، لكنه فضل في النهاية الرحيل نحو الريف الشمالي للمحافظة حيث المناطق الأكثر أمناً.

على الحدود، وبعد عمل شاق في سوق المحروقات اشترى قطعة أرض في أطمة بمبلغ بسيط ليقيم عليها منزله الدائم، سنة مرت وغدا البيت جاهزاً للسكن، يقول "بنيت غرفتين وأرض ديار صغيرة... أخيراً تملكت بيتاً يبعدني عن تحكم المؤجرين". العامل النفسي شكل أكبر الدوافع التي جعلته يقدم على هذه التجربة، "كمهجر وضع في أرض لم يعرفها سابقاً، تحولت إلى إنسان أكثر حساسية من السكان الأصليين.. فأي كلمة تصدر عن صاحب البيت الذي استأجره تجرح كرامتي لذلك أنا أعيش هنا في نعيم مقيم". أما شقيقه الذي لا يزال يقيم في الريف الشرقي كان له رأي آخر"لدينا اليوم بيت نأوي إليه في حال حدث قصف عنيف أو توغل عسكري للنظام، دون الحاجة لاستئجار منزل بأسعار باهظة، أو المكوث في إحدى الخيم على الحدود".

يرغب المهجرون في التوجه شمالاً كون المناطق الحدودية أكثر أمناً وأسعار الأراضي والعقارات فيها أقل كلفة، في أطمة على سبيل المثال ترتفع الأسعار داخل المدينة ليسجل متر الأرض 20 دولاراً فما فوق، والمنزل السكني 100 دولار فما فوق للمتر المكسي، وترخص الأسعار عند التوجه إلى الطريق العام، ثم تهبط بشكل ملحوظ في الأراضي البعيدة عن الطريق، فيبدأ سعر متر الأرض من 2 حتى 20 دولاراً.