تجنيد الأطفال في صفوف داعش الكفر والردّة أوّل الأحكام التي يطلقها الفتية المتخرّجون من معسكرات التنظيم على عائلاتهم

من أحد معسكرات الأطفال في تنظيم الدولة

في دير الزور، وفي المحافظات الأخرى الخاضعة لسيطرته، يعمل تنظيم "الدولة الإسلامية" على تجنيد الأطفال والمراهقين، ويولي اهتماماً بالغاً بهذه العملية، مسخّراً لها جزءاً كبيراً من نشاطه الدعويّ. فهي أحد الأساليب الرئيسية التي يتّبعها لإعادة بناء المجتمع من جديد.

في الشوارع الرئيسية وفي الحارات، ينشط أصحاب الوجوه المبتسمة، كما يصفهم أحد ناشطي مدينة الميادين، قاصداً بذلك عناصر الدعوة التابعين للتنظيم أثناء عملهم الميدانيّ المركز على الأطفال واليافعين قبل أيّة شريحةٍ عمريةٍ أخرى. فمقابل القسوة والخشونة التي يبدونها للرجال والنساء من مختلف الأعمار، يُظهر عناصر التنظيم لطفاً وليونةً بالغتين نحو الأطفال، بغاية اكتساب محبتهم وإعجابهم.
يخبرنا حسان، وهو بائع أجهزةٍ كهربائيةٍ من الميادين، قصة "أجيره" الصبيّ الذي ترك العمل والتحق بالتنظيم: "كان يزورنا مهاجر عالمحل، ويتودّد للولد، ويقل له إنه إذا صار معاهم راح ياخذ راتب شهري أضعاف ما ياخذه من الشغل بالمحل، وأنه راح يساعد أهله بهالراتب، وأنه راح يرضي رب العالمين لما يصير مع الدولة". ويذكر أبو محمد طريقةً أخرى من طرق اجتذاب الأطفال التي يتّبعها عناصر التنظيم، إذ يراقبون ميولهم واهتماماتهم ويخاطبونهم انطلاقاً منها. وهذا ما فعلوه مع ابنه المعجب بأنواع الأسلحة، إذ وعده أحد المهاجرين بأن يقدّم له مسدساً كهديةٍ إن التحق بمعسكرات التدريب التي أنشأها التنظيم في مناطق مختلفةٍ من محافظة دير الزور.
وفي كلّ هذه المعسكرات يشارك أطفالٌ ومراهقون كثر، يخضعون لتدريباتٍ عسكريةٍ شاقةٍ ودروسٍ في فقه التنظيم وعقيدته. وتكون الأسابيع الثلاثة التي يقضيها الطفل أو المراهق –وهي المدّة التي تستغرقها معسكرات التنظيم في المرحلة الأولى- كافيةً لعملية غسيل الدماغ أو إعادة التشكيل. يقول عبد الله، وهو شابٌّ في أول الثلاثينات، خضع لمعسكرٍ تدريبيٍّ قبل أن يترك التنظيم: "كان معنا أطفالٌ ومراهقون، يتدرّبون مثلنا ويعامَلون كما نعامَل من حيث صرامة التدريب والقسوة فيه، مما يجعلهم يشعرون بالثقة بالنفس والإحساس بالمسؤولية". وبحسب قوله، يعرض المدرّبون مقاطع فيديو لعمليات ذبحٍ حقيقيةٍ "للكفرة والمرتدّين"، في دروسٍ خاصّةٍ تعلّم طريقة "الذبح السليم". ويكرّر المدرّبون دوماً على أسماع الأطفال قصة الصحابيّ أسامة بن زيد، الذي قاد جيشاً من جيوش المسلمين وهو في سنّ السابعة عشرة. ويلاحظ عبد الله أن تخريب علاقة الأطفال بذويهم وتمرّدهم عليهم هو واحدٌ من أهداف التدريب. إذ يعتقد المدرّبون بضرورة تربية متطوّعيهم من جديدٍ وفق ما يريد التنظيم، وبما يخالف تربية الأهل، التي ينظر إليها المدرّبون على أنها سببٌ من أسباب الفساد المستشري في المجتمع. ويشكو آباء وأمهات الفتية المتخرّجين من معسكرات التنظيم من تغيّر طباع أولادهم، واكتسابهم لسلوكٍ عدوانيٍّ تجاه عائلاتهم وبيئاتهم السابقة، ولكلّ ما يخالف ما تعلّموه أو لُقِّنوه خلال التدريب. فتقول إحدى الأمهات إن ابنها المراهق وصفها بـ"الكافرة"، وهدّدها أنه يمكن أن يقتلها، بعد مشاجرةٍ مع أخته التي تحب سماع الأغاني. ويروي أبو خالد قصةً شبيهةً مع ابنه الذي تمرّد ولم يعد يطيعه أبداً، قبل أن يهجر المنزل نهائياً، لأنه مليءٌ بالمعاصي حسب ما يقول الفتى. وبتتبع معظم قصص الأطفال المعجبين بالتنظيم أو المنتسبين إليه يمكن الوصول إلى ذات النتائج.
تقول اختصاصية النفسية آية مهنا إن التشرّد والموت اللذين أفرزتهما الحرب أفقدا المراهقين والأطفال الشعور بالأمان الذي كانت تمنحه العائلة في ما مضى، وهذا ما يجعلهم في حالةٍ من الضياع النفسيّ والفكريّ، وخاصةً المراهقين في المرحلة التي تُطرح فيها لدى الإنسان أسئلةٌ كثيرةٌ عن كلّ القيم والمعتقدات التي اكتسبها في المراحل السابقة، وهو ما سهّل على التنظيم عملية غسيل الأدمغة، فهو يملك إجاباتٍ "دقيقةً" في كلّ الشؤون الاجتماعية والدينية، لا يجدها المراهق لدى الأهل أو الأصدقاء أو المحيط السابق، بحسب ما تقول مهنا. وتضيف أيضا عاملاً آخر من عوامل الإغواء هو الشعور بالحماية والرعاية والقوّة الذي يمنحه التنظيم، فـ"الدولة" تحمي أنصارها وتدافع عنهم.