بلدة معدان شرق الرقة
تاريخها الشفوي وتركيبتها الاجتماعية

تستمد المرويات في ناحية معدان طاقتها التأريخية من مخفر عثماني في قرية معدان عتيق، التي أعطت المكان اسمه، والتابعة إدارياً في الوقت الحالي لدير الزور، ومئذنة الجامع الكبير الغربي من ذات التاريخ في معدان جديد، المركز الإداري والتجاري الأهم في ريف الرقة الشرقي. ثم تعرج إلى أوراق ملكية عثمانية يملكها البعض، ومخفر فرنسي يتذكر كبار السن أنه كان موجوداً في المنطقة، يمنح أهاليها أوراقاً خاصة تساعدهم في التنقل للرعي شمالاً، ومخفر آخر في معدان جديد ما زال قائماً يعود إلى الخمسينيات، وإقطاعات ومشاريع وتوافد كبير للديريين، ثم صدامات، لم تخلف شروخاً كبيرة بينهم وبين الأهالي، على خلفية عملية تحديد وتحرير الأراضي في الستينيات، وتوافدٌ كبيرٌ آخر من مسافة كيلومترين في قرية الخميسية، أقدم مكان مأهول في المنطقة، على ما يقال، وصولاً إلى معدان السبعينيات، حين كانت بيوتاً متناثرة حول المخفر الفرنسي القديم ذاته.

ساعد موقع معدان في منتصف المسافة بين الرقة ودير الزور (70 كم شرق الرقة) في جعل البلدة، ذات الـ35 ألف نسمة، مركزاً تجارياً مهماً لريف الرقة الشرقي، من قرية غانم العلي حتى ما بعد الحدود الإدارية لدير الزور. وقد تبلورت أهميتها التجارية سوقاً شعبية كبيرة تنعقد كل خميس. إلا أن ذلك الموقع بالذات جعلها مغناطيساً جذب من الشرق والغرب أضعاف سكانها، وحوّلها بالتالي إلى ما يشبه مدينة صغيرة تنتمي إلى أرضها فقط دون عصبيات عشائرية حادة، رغم الروابط التي ما زالت تجمع سكانها من البوسبيع، أحد أفرع قبيلة البوشعبان، إلى أبناء عمومتهم من فرقة السبخة (فرقة رئيسية من البوشعبان). وقد أسهمت تلك الروابط العشائرية، في أوقات سابقة، في تحالف أبناء معدان الانتخابي مع السبخة، ثم أسهمت روابط مكانية في استجابتهم لانتفاضة أهلية أطلقها أهالي الخميسية المجاورة، بسبب الانتخابات ذاتها.

الانتفاضة الأهلية

قبل انتخابات مجلس الشعب لعام 2007 كان أهالي معدان يدلون بأصواتهم لصالح مرشح العفادلة (فرقة رئيسية أخرى من البوشعبان)، في الضفة المقابلة من النهر، لكن الأمر تغير مع تلك السنة، حين فاز بالانتخابات عبد المحسن أنور الراكان، شيخ السبخة، إلى جانب عبد المهدي الحمود، الطبيب والأستاذ الجامعي، على حساب مرشحين آخرين من العفادلة هما إسماعيل المسهوج (البليخ) ومحمد الفيصل (الهويدي)، اللذين رفض امتدادهما الاجتماعي التسليم بالنتائج، فحاصروا قصر المحافظ وضغطوا عليه لإعادة الانتخابات، فاستجاب للأمر بدعوى وجود تزوير. في تلك الأثناء، ووسط احتفالات الخط الشرقي في الشامية بنجاح مرشحهم، سمع الأهالي من مكبرات الجوامع: «راح منكم الكرسي»، ليخرج من البيوت في كل الخط قرابة 30 ألف شخص، فيقطعوا طريق حلب دير الزور، ويحرقوا الدواليب، ويحتجزوا سيارة المالية لست ساعات، ويصادروا أسلحة عناصر الأمن، ويحطموا صناديق الاقتراع.

أخمدت الانتفاضة بحل توافقي ينص على إعادة الانتخابات في الخط الشرقي باستثناء الدائرة الانتخابية للسبخة، ليصعد المرشح محمد الفيصل ويزاح عملياً نتيجة ذلك الدكتور الحمود، ولكن بعد أن وعده المحافظ بتسلم وزارة الصحة، كما أشيع وقتها. وذلك بالتوازي مع القسوة المعروفة عن النظام الذي سمى ما حدث شغباً، وأرسل مباشرة قطعاً عسكرية إلى الرقة، واعتقل أقرباء الحمود والكثير من أبناء معدان والسبخة الذين اختزنوا من تلك الحادثة، التي خلفت جريحين، أن انتخابهم للحمود كان على أساس خلفيته الجامعية أما الراكان فعلى أساس خلفيته المشيخية، واحتفظوا من الحادثة كذلك بهتاف رددوه وقتها يقول: يا بشار ويا بشار/ ليش الكرسي تايندار؟

الديريون والخميسية

لا ينفصل وجود معدان الحالي عن أبناء الخميسية والديريين الذين يتقاسمون تاريخها مناصفة. وقد جاءها من الديريين عوائل وأفراد منذ ثلاثة أجيال لإدارة المشاريع الزراعية والتعليم، ثم في فترات لاحقة للعمل والاستقرار، فصار الحديث عنهم أحد محاور التاريخ الشفوي المتداول بين الأهالي. فهناك البعاجين والعليوي والهنيدي، وهناك عملة رويلي، وهي صكوك ممهورة منه تعامل بها الأهالي في وقت ما كبديل عن العملة الشحيحة وقتها، وهناك عبد الله الرويلي الرجل الذي جاء هارباً إلى المنطقة ثم أسس للتعليم فيها. لكن هناك، على المقلب الآخر، محمد الفواز من السبخة الذي كان يملك الزور كله (أراضي سرير النهر).

لا يتجاوز عدد المسجلين في السجل المدني لمعدان مرتبة الآلاف. ولعله ذا دلالة أن رئيس البلدية قبل الثورة كان ينتخب من أبناء الخميسية في معدان بشكل دائم، بينما المجلس المحلي الأول الذي تأسس بعد الثورة كان بأعضائه كافة من الديريين، باستثناء رئيس مكتب التعليم. على أن ناشطين من معدان أبدوا استغرابهم من رد أولئك الأشخاص إلى مناطقهم، في جلسة طرحنا فيها الأمر عليهم، فهم لا يرون فيهم، دون مجاملة أو أهداف نبيلة، إلا أبناء معدان.