بعد فتح «باب الهوى»: انخفاض بأسعار المواد و ايجارات المساكن في إدلب

شاحنات في معبر باب الهوى - عدسة أحمد عزيزة - خاص

مع إعلان الجانب التركي إعادة فتح معبر (جيلو غوزو) المقابل لمعبر باب الهوى السوري، بعد إغلاقه لمدة ثلاثة أشهر، عاد شريان الحياة للتدفق مرة أخرى إلى محافظة إدلب، لتستأنف نشاطاً خاصاً انطلق منذ إدخال المحافظة في المناطق الخاضعة لخفض التصعيد، وفق الاتفاق التركي الروسي، مطلع العام الحالي.

خلال جولة في أسواق مدينتي سرمدا والدانا، تتبعنا أثر إغلاق المعبر، ثم عودته، على بعض المواد الأساسية، وأسعار العقارات في المنطقة، ووقفنا على الرسوم الجمركية لمعبر باب الهوى، كما تتبعنا رحلة الشاحنات التي تمر من معبر باب السلام الحدودي في مدينة أعزاز وصولاً إلى مدينة سرمدا، الذي كان يمثل الحل البديل لاستيراد المواد بعد حظرها من معبر باب الهوى في الأشهر الأخيرة. 

قبل ثلاثة أشهر كانت الأسواق شبه فارغة، وتوقفت حركة البناء، وظلت الكثير من البيوت غير مكتملة أو على «على العظم»، وأغلقت كثير من الورشات الصناعية أبوابها؛ لندرة المواد الأولية أو ارتفاع أسعارها. تلك كانت السمة الأهم الظاهرة للعيان في مناطق الشمال السوري، بعد إعلان الحكومة التركية في نهاية تموز الماضي تعليق العمل في المعبر على خلفية الخلاف الحاصل بين هيئة تحرير الشام وحركة أحرار الشام، واقتصارها على إدخال بعض المواد الغذائية والصحية والإغاثية، الأمر الذي انعكس على حياة المواطن في ارتفاع أسعار مواد البناء، وتوقف عمليات الترميم وإعادة الإعمار والمشاريع السكنية الجديدة، ما أدى إلى زيادة أسعار البيوت والإيجارات، لتتجاوز في أسعارها قرينتها على الجانب التركي.

يقول محمد المصطفى، صاحب مكتب عقاري  في مدينة سرمدا، «في سرمدا وحدها كان هناك مشاريع بناء لأكثر من 500 شقة سكنية، بالإضافة إلى الأهالي الذين بدؤوا خلال فترة وقف التصعيد بترميم منازلهم، أو بناء بيوت جديدة طابقية، وهذا ما أدى إلى انخفاض سعر البيوت والإيجار بنسبة تجاوزت 25%. ولكنه، ومع إغلاق المعبر، بدأت الأسعار بالارتفاع، لتتجاوز ما كانت عليه بنسبة تتراوح بين 10 إلى 50% حسب المنطقة؛ فإيجار بيت متوسط من غرفتين وصالون وصل إلى 150دولاراً، وتجاوز سعر بعض البيوت 60 ألف دولار. هذا المبلغ تستطيع أن تشتري به بيتاََ في أفضل المناطق التركية».

يقول المهندس المدني أحمد عبد الجواد لعين المدينة «إن كلفة البناء زادت خلال إغلاق المعبر بنسبة 50%، أما الإكساء فقد زاد بنسبة 100%، فغرفة صغيرة 12 متراَ مربعاَ على الهيكل وصلت كلفة بنائها إلى 2000 دولاراً»، ويرى المهندس «أن إغلاق المعبر، إضافة إلى احتكار مواد البناء من قبل التجار، وتحكمهم بأسعارها، وتأرجح سعر العملة السورية مقابل الدولار، أدى إلى هذا الواقع الخانق».

مكبس بلوك في مدينة سرمدا بعد فتح المعبر - عدسة أحمد عزيزة - خاص

وبحسب أبو حسن، وهو متعهد بناء، فإن ثمن الطن الواحد من الإسمنت ارتفع خلال إغلاق المعبر من 55 إلى 130 دولاراً أمريكياً و«أما الحديد المبروم فقد وصل سعر الطن إلى 650 دولاراَ، بعد أن كان 500 دولاراَ، وبلوكة التعمير ارتفعت من 95 إلى 130 ليرة سورية، ومتر البلاط من 1700 إلى 2400 ليرة سورية»

يقارن أبو قاسم شاحنة تنقل البضائع من مدينة أعزاز، شمال محافظة حلب حيث معبر باب السلامة الحدودي مع تركيا، إلى محافظة إدلب، بتكاليف نقل تصل إلى 2500 دولاراََ؛ بتكاليفها السابقة التي لا تزيد على 500 دولار عن طريق معبر باب الهوى  «نمر عبر ثلاثة دول، دولة بأعزاز ودولة بعفرين ودولة أخرى بإدلب، وكل وحدة تفرض رسوم شكل، وعلى أي حمولة شايلينها»

يقول مازن علوش مدير المكتب الإعلامي في معبر باب الهوى «بالتأكيد كانت الأسعار غالية جداً في السوق المحلية، بسبب التكاليف الباهظة التي يتكبدها التجار، نتيجة استيراد البضائع عبر معبر باب السلام، حيث أصبح التاجر يتكلف أكثر من أربعة أضعاف التكلفة عند دخولها من باب الهوى، هذا الارتفاع تحمل عبئه المواطن الذي يعاني أساساً من حالة الغلاء».

بعد فتح المعبر

يقول علوش «إن أكثر من 300 شاحنة محملة بالبضائع تمر يومياً عبر معبر باب الهوى، بعد الاتفاق الذي جرى بين إدارة المعبر والجانب التركي على إعادة فتحه، بزيادة 200 شاحنة عن الأشهر الماضية، حيث لم يكن العدد يتجاوز 100 شاحنة، وهذا العدد مرشح للزيادة في الأيام القادمة»، وأكمل «هناك تسهيلات كبيرة وجديدة، جرت بالاتفاق مع غرفة تجارة سوريا الحرة، لإصدار بطاقات للتجار يتمكنون من خلالها الدخول إلى الأراضي التركية، للوقوف على بضائعهم، والإشراف على شرائها وتحميلها». وشملت البضائع، التي سمح بدخولها خلال الاتفاق مع الجانب التركي، مواد متنوعة وجديدة «كالحبيبات البلاستيكية وقطع غيار الدراجات النارية والزجاج والإطارات والسيارات الأوروبية والخشب، ناهيك عن المواد الأساسية، والكثير من المواد التي كانت محظورة في السابق».

وقال جابر الأحمد، مدير جمارك معبر باب الهوى «عادت الحركة التجارية في المعبر إلى سابق عهدها، ويلاحظ ازدياد عدد الشاحنات المحملة بالبضائع في كل يوم»، كما أكد مدير الجمارك «أن الرسوم المستوفاة على المواد، وخاصة مواد إعادة الإعمار، بقيت على حالها، وهي رسوم بسيطة لا تتجاوز5% على الطن، ولا تؤدي إلى ارتفاع الأسعار، وهذه النسبة هي أقل النسب في جميع المعابر الحدودية؛ ونسعى في المرحلة المقبلة إلى دعم أصحاب الصناعات الأولية».

                           

الأسعار الجمركية في مدينة عفرين من موقع كلنا شركاء

يقول أبو علي، تاجر مواد بناء في مدينة الدانا «إن أسعار مواد الإعمار انخفضت بنسبة 25%، منذ لحظة الإعلان عن فتح المعبر، وبدأت ورش البناء بالعودة إلى نشاطها، وأتوقع أن تنخفض بشكل أكبر خلال الأيام القادمة». أما عن إيجار البيوت فيقول أحمد حمادي، صاحب أحد المكاتب العقارية في مدينة الدانا «قبل أيام لم تكن تجد بيتاً بأقل من 125 إلى 150 دولاراً. لدي الآن أربعة بيوت ب 80 دولاراََ، وهذا أثر إيجابي لفتح المعبر، فاستكمال المشاريع السكنية المتوقفة سيؤدي بالضرورة إلى انخفاض الإيجارات بشكل أكبر، فليس من المنطقي أن يصل إيجار البيت إلى هذه الحد، في حين لا يتجاوز دخل الفرد في المنطقة 100دولاراً».

على باب محل أبو أحمد طاطا، أكبر محال المواد الغذائية في مدينة سرمدا، يقف طابور من الناس لشراء حاجياتهم. أربعة عمال يحاولون تخفيف الزحام الحاصل. بعد أشهر من الكساد مرت بها المدينة. يقول أبو أحمد «بعد فتح المعبر تم تنشيط السوق، وأعطيت للتجار أريحية الدخول إلى معبر باب الهوى، حيث كانت الكلفة باهظة من باب السلام، وهذا ما أنعش السوق خلال الأسبوع الماضي. شعرنا بتحسن ملحوظ، ونتمنى إعادة فتح المعبر بشكل كامل». محمد العلي يعمل في مجال الكهرباء الصناعية، قال لعين المدينة «هناك مواد نزلت أسعارها، ومواد زادت، بعد فتح المعبر»، ويعزو السبب «إلى تحكم التجار بالأسعار، وانخفاض سعر الدولار مقابل الليرة السورية». «حين يرتفع الدولار يلزموننا بالشراء به، وحين ينخفض يفرضون علينا التعامل بالليرة السورية». أما أبو السبع، تاجر سيارات أوربية في مدينة سرمدا، فقد أمل أن يعوض خسارته بعد فتح المعبر «فوسطياً انخفض سعر كل سيارة أوربية بين 800 إلى 1000دولاراً»، ويعتمد أبو السبع «على عودة حركة البضائع والنشاط إلى السوق، فقد بدأت حركة البيع والشراء في سوق السيارات بالتعافي». كما «انخفض سعر النحاس بمقدار 10%، وسجلت المولدات الكهربائية انخفاضاً بنسبة 25%، فمولدة (البيتر) تراجع سعرها من 650 دولاراً  إلى 500 دولاراً خلال الأسبوع الماضي» على حد قول الوكيل الحصري للمولدات أبو محمد.

وقال كامل أبو نورس، تاجر بلاستيك من قرية كفركرمين «ترافق فتح المعبر مع انخفاض سعر الدولار، وهذا ما أدى إلى تحسن الوضع، وانخفاض سعر البلاستيك؛ فصرنا نبيع الكيلو غرام من الأكياس الشفافة ب 600 ليرة سورية بدلاً من 800، وطرد الفلين ب 550 ليرة سورية بدلاً من 800، وازدادت حركة البيع، بعد أن كنا قد توقفنا تماماً عن العمل منذ ثلاثة أشهر».