بعد خروجها من دمشق داعش تعزز قوتها شرق السويداء

AFP

لم يلقَ الاتفاق الذي أُبرم بين تنظيم «داعش» وحكومة النظام في سوريا، لإخراج عناصر الأول وعائلاتهم من أحياء دمشق الجنوبية باتجاه البادية السورية، الصدى الذي يستحقه باعتباره اتفاقاً علنيّاً بين التنظيم والنظام، حاله كحال الاتفاق الذي أُبرم مع الحكومة اللبنانية وميليشيا «حزب الله»، في وقت سابق، لنقل عناصر التنظيم من منطقة عرسال إلى دير الزور. عدا عن التوافقات التي لم يُعلن عنها، بما فيها تبادل مناطق أو مدن مثل تدمر أو مستودعات مهين أو مدرسة المشاة بحلب وغيرها.

قضى الاتفاق الأخير بإخراج عناصر التنظيم من أحياء اليرموك والتضامن ومدينة الحجر الأسود، جنوب دمشق، باتجاه البادية السورية، حيث وصلت عشرات الحافلات إلى مناطق في ريف دير الزور، بينما وصلت عائلات من المنطقة دون أي عناصر إلى قلعة المضيق ومنها إلى الشمال السوري، كما وصل مئات العناصر دون عائلاتهم عبر دفعتين إلى ريف السويداء الشرقي.

يُشكّل العناصر الواصلون أخيراً إلى المنطقة قوة محسوبة تُضاف إلى قوة التنظيم شرق السويداء، إذ أفاد أشخاص من المنطقة أن العناصر وصلوا عبر دفعتين: مرّت الأولى من منطقة بئر القصب في ريف دمشق فـ قرية الأصفر، التي تُسيطر عليها قوات النظام، ومنها إلى منطقتي العورة والأشرفية الخاضعتين لسيطرة التنظيم، بينما مرت الدفعة الثانية على طريق دمشق –السويداء وصولاً إلى المنطقة ذاتها، وتضمّ الدفعتان نحو 40 آلية بينها 15 شاحنة مُحملّة بالعناصر والأسلحة، وتُقلّ الدفعتان نحو 700عنصر، وفق تقديرات ناشطين من المنطقة.

ينضمّ هؤلاء العناصر إلى مئات آخرين موجودين أساساً في البادية الشرقية للسويداء، على مقربة من قرى الريف الشرقي التي يفصلها عنها بضعة كيلومترات فقط، ويتمركز التنظيم في نقاط مُتفرقة باتت أشبه بمستعمرات تخضع لأمنيي التنظيم وعناصره، تقع شرق قرى القصر وشنوان والأصفر شمالاً، وصولاً إلى شرق منطقة الزلف جنوباً، وتمتدّ في عمق البادية وصولاً إلى منطقة الصّفا في البادية الشرقية.

ولا يعتبر وجود «داعش» شرق السويداء وجوداً شكلياً، وإنما يُمارس التنظيم فيها كافة أشكال سلطته من اعتقالات وعقوبات متنوعة، بما فيها حالات الإعدام التي يُنفّذها بين حين وآخر بتُهمٍ متعددة: أبرزها العمالة لفصائل الجيش الحر أو التعامل مع قوات النظام، عدا عن مُصادرة قطعان ماشية لأشخاص بـ التّهم ذاتها، من بينها قطعان أغنام أو إبل تضم عشرات الرؤوس من المواشي.

دفعت ممارسات التنظيم شرق السويداء مئات الأهالي لمغادرة المنطقة والنزوح إلى مناطق داخلية في محافظة السويداء أو إلى محافظة درعا، وتداولَ ناشطون من المنطقة أخباراً عن نزوح أكثر من 30عائلة من أهالي مناطق الكراع والدياثة، بسبب انتهاكات التنظيم في المنطقة التي لا تبعد سوى كيلومترات عن مناطق سيطرة النظام الذي ما زال يتجاهل وجود التنظيم هناك.

واعتبر عدد من أهالي السويداء أن النظام يُريد الاحتفاظ بالتنظيم شرق السويداء –في الوقت الحالي على الأقلّ– لاستخدامه كورقة ضغط على الأهالي، أو للاستفادة من وجوده إعلامياً في وقت لاحق. بينما أشار آخرون أن ريف السويداء الشرقي لا يُعتبر مُهمّاً للنظام بالدرجة ذاتها التي تُشكّلها محافظة دير الزور الغنية بالنفط.

ورغم انسحاب التنظيم في آذار العام الماضي من مساحات شرق السويداء تقدر بنحو 300 كم مربع، على الأقل، إلا أنه ما زال يُمارس نفوذه في المنطقة، إذ سبق أن أعلنت وسائل إعلام النظام عن معارك طاحنة وتقدّم وقصف لمواقع التنظيم في قرى الريف الشرقي، إلا أن أهالي هذه المناطق كانوا يؤكدون غالباً عدم وجود أي اشتباكات سوى إطلاق نار متقطع في الأوقات نفسها التي يتحدث فيها النظام عن ذلك، بينما قال البعض إن مثل هذه الاشتباكات تكون وهمية بغالبيتها للفت الأنظار بهدف تمرير قوافل لتهريب الأسلحة أو الأشخاص من مناطق أخرى.

في ظل كل ذلك، يتناقل البعض أنباء عن تعزيزات عسكرية يستقدمها النظام إلى أطراف منطقة الأصفر شمال شرق السويداء، تُقابلها تحرّكات أخرى من جانب تنظيم «الدولة»، مثل زرع ألغام في المنطقة وتفخيخ طرقات، تحضيراً لعملية عسكرية تستهدف التنظيم هناك. بينما يُشكّك كثيرون بجدوى هذه العمليات التي شهدت المنطقة كثيرات مثلها.

انتشار تنظيم الدولة شرق السويداء ليس جديداً، خاصة أن المنطقة شهدت تبدلّات طوال السنوات الماضية تنقّلت خلالها السيطرة عليها بين قوات النظام وفصائل الحر وتنظيم الدولة مرات عدة، إلا أن الدفعات الأخيرة من عناصر التنظيم الذين أرسلهم النظام إلى هناك تُشير إلى واحد من أمرين: أولهما أن النظام يُريد تجميع العناصر في تلك المنطقة لشن حملة واحدة ضدهم في وقت لاحق، وثانيهما أنه يسعى لخلق بؤرة جديدة يسيطر عليها التنظيم، بعد طرده من معاقله الرئيسية شرقي سوريا، لاستثمارها سياسياً وإعلامياً في المستقبل.