الهروب من جحيم مخيم السد

متداولة للمخيم

بين الخيام البائسة التي تؤوي عشرات الآلاف من نازحي محافظة ديرالزور، أو تعتقلهم في مخيم السد (العريشة) جنوبي محافظة الحسكة تحت سلطة "قوات سوريا الديمقراطية (قسد)"، ينشط عسكريون بلباس مدني من "الشرطة العسكرية" للبحث عن "زبائن" يرغبون ويملكون تكاليف الخروج من ذلك الجحيم.

يقع المخيم شمال مدينة الشدادي في محافظة الحسكة، وظل يمثل المحطة الأولى للنازحين من محافظة ديرالزور منذ المعارك التي شُنّت على تنظيم الدولة "داعش" في العام 2017 حتى نهايتها منذ أشهر. وقتها كان النازحون يصلون إلى حواجز قسد في قرية أبو خشب حيث أقيم مركز صغير يعتبر "نقطة للتجمع والفرز" إلى المخيمات الأخرى، التي تنقل قسد النازحين إليها بواسطة شاحنات أو باصات، طبعاً باستثناء من استطاع تقديم الرشوة لعناصر الحواجز التي قد تصل إلى 50 ألف ليرة للشخص الواحد لتفادي الدخول إلى المخيمات.

لم يكن الغرض من إنشاء المخيمات إيواء الهاربين من الحرب على ما يبدو، بل وضعهم في سجون كبيرة، إذ بمجرد دخول النازح إلى المخيم تقوم قوات قسد بالاستيلاء على أوراقه الثبوتية وحجزها لضمان عدم خروجه دون علمها، ورغم أن العديد من النازحين قاموا بتسليم صوراً عن وثائقهم، إلا أن ذلك لم يحل دون الانتظار حتى يتم الإفراج عنهم. ولعل المشكلة الأكبر في تلك المخيمات اختلاط عناصر من داعش مع المدنيين، مما يتيح الفرصة لهم لبث أفكارهم وتحويل المخيمات إلى مراكز دعاية لتنظيمهم.

 يقطن في مخيم السد ما يزيد عن 20 ألف نازح، ويشرف عليه عناصر وضباط من قسد لإدارة أموره، في حين تتولى مكاتب الأمم المتحدة في دمشق والهلال الأحمر السوري توزيع الاحتياجات الأساسية لقاطنيه من خيام وفرش وأغطية. ويفتقر لأبسط مقومات الحياة من غياب للكهرباء والخدمات الأساسية، وتعد المياه بشكل عام والمياه الصالحة للشرب أكبر معاناة لسكانه، إذ يتم تزويده بالمياه عبر صهاريج بشكل يومي لا تكفي متطلباتهم.

وبسبب تردي الأوضاع الخدمية وانتشار الأمراض، كان لابد من زيادة العناية بالقطاع الطبي والصحي، غير أن هذا لم يحدث حسب ما يقول الشاب رامي القاطن في المخيم، ويضيف "الرعاية الطبية محدودة جداً تقدمها منظمات كالهلال الأحمر السوري ومنظمة أطباء بلا حدود، إذ يحضر عدد من الأطباء لساعات محدودة كل يوم، ويصطف المرضى أمام خيمتهم في طابور طويل لعرض مشاكلهم الصحية، لكن كل ما يقدمه الأطباء كتابة وصفات أدوية غير متوفرة في المخيم لعدم وجود صيدلية، مما يضطر المرضى إلى شرائها من الخارج بأضعاف أثمانها بطرق غير شرعية، وعن طريق حرس المخيم نفسهم".

أما حالات الإسعاف الطارئة فتتم بصعوبة بالغة، بسبب رفض عناصر قسد إخراج أي شخص، الأمر الذي أدى إلى تسجيل عدة حالات وفاة بين كبار السن، بينما ظلت إحدى النساء الحوامل تنزف حتى فارق جنينها الحياة. وتتحدث أم سعد وهي نازحة من ديرالزور في المخيم، عن الوضع الصحي فتقول: "يعاني المخيم من نقص في تجهيزات النظافة وغياب حاويات القمامة، تسبب بتراكم النفايات والحشرات، بينما يتم الاستحمام في المستنقع المجاور للمخيم وقضاء الحاجة في العراء، ما يضطر النساء خاصة إلى الانتظار حتى هبوط الظلام لقضاء حاجتهن".

ويزيد من سوء الأوضاع في المخيم ممارسات عناصر قسد ضد النازحين، والتي تصل إلى الإهانة والسب والابتزاز لدفع مبالغ مالية لقاء أي حاجة من تأمين أدوية وغذاء وغيرها، إضافة لمحاولات إدارة المخيم المستمرة لاستمالة الشبان ودفعهم إلى الانضمام إلى صفوف قوات قسد مقابل 200 دولار شهرياً. كل هذه الممارسات والظروف السيئة دفعت ساكني المخيم إلى الخروج بمظاهرات حاشدة احتجاجاً على الوضع المتردي ومطالبةً بتحسين ظروفهم والسماح لهم بمغادرة المخيم بأسرع وقت، إلا أن هذه الاحتجاجات قوبلت بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين من حرس المخيم، تلاها حملة اعتقالات واسعة للمشاركين فيها.

يشكل التهريب الحل الأخير للقاطن في المخيم، فقبله يمكنه الخروج منه بطرق تكاد تكون تعجيزية، منها تقديم إثبات لإدارة المخيم بوجود كفيل في مدينة الحسكة يكفل سكن النازح عنده، شريطة أن يحمل اسم العائلة ورقم الخانة ذاتها. أو التقدم بطلب خروج طبي بهدف تلقي العلاج في المستشفيات الخارجية ويعد هذا أصعب الطرق، حيث ترفض معظم الطلبات بحجة أن الحالة لا تستدعي دخول المستشفى.

أما التهريب وهو الطريقة الأكثر شيوعاً، فيتم إما عن طريق الهروب الفردي وفيه الكثير من المخاطرة بسبب خطر التعرض لإطلاق النار من قبل حرس المخيم أو الاعتقال، أو عن طريق المهربين الذين يعملون كوسطاء لصالح إدارة المخيم ويتقاضون مبالغ وصلت إلى 250 ألف ليرة سورية عن الشخص الواحد. وحسب أشخاص خرجوا من المخيم، فإن أفراداً من الشرطة العسكرية يرتبون موعد الهروب، وإعادة الأوراق الثبوتية لمن سلمها، وذلك مقابل 100 دولار لإعادة الأوراق فقط.

وصل العديد من عناصر داعش إلى المخيم، إلا أنهم تمكنوا من مغادرته سريعاً بعد دفع آلاف الدولارات لإدارته، رغم علمها بهويتهم، بل وتم منحهم "وثائق تجول" تسمح لهم بالتحرك بسهولة داخل أراضي الإدارة الذاتية والوصول إلى الحدود السورية التركية، كما يفيد ذات الأشخاص.