المقاتلون البوسنيون في سورية والعراق

علم داعش في قرية بوسنية

في بداية 2015 تحدثت معلومات استخباراتية عن انضمام حوالي 200 من مواطني البوسنة والهرسك إلى التنظيمات الإسلامية المتطرفة في سورية. بينما ذكرت المصادر الرسمية، بعد عام من ذلك التاريخ، أن زهاء 150 مواطناً قد غادروا البلاد للالتحاق بصفوف داعش، قتل منهم قرابة 30، واستطاع 50 آخرون العودة إلى ديارهم.

 ينحدر أغلب هؤلاء من مناطق فقيرة نسبياً في شمال شرق البلاد، حيث يوجد أكثر من 2000 من المقاتلين الإسلاميين الذين قرروا البقاء هناك بعد انتهاء الحرب في 1995، وحصلوا على إقامات دائمة وجوازات سفر محلية. تحولت هذه المناطق مع مرور الوقت إلى قلعة للسلفية في البوسنة والهرسك، بعدما أرست قواعدها الدينية الخاصة، وانتشرت فيها الملابس الأفغانية والشيشانية، وأخذت الأعلام السوداء ترفرف فوق بعض أبنيتها مع ظهور خلافة البغدادي.

من قرية غورنيا ماوكا الجبلية، الواقعة ضمن  هذه المنطقة، جاء الشاب إمرا فوينيكا الذي فجر نفسه في العراق 8 آب 2014 خلال هجوم لتنظيم الدولة الإسلامية، ليصبح ثاني انتحاري من منطقة البلقان بعد الكوسوفوي بليرم هيتا، الذي قتل في هجومه 52 عراقياً نهاية آذار 2014. ومن هذه القرية جاء مولد يساريفيتش الذي قام بالهجوم الفاشل على السفارة الأميركية في سراييفو، 28 تشرين الأول 2011، مستخدماً بندقية كلاشنيكوف قدمها له إمرا فوينيكا نفسه. ووقتها حكم عليه بالسجن 18 عاماً، بينما أفرج عن إمرا وزميله الآخر منيب أحمدسباهيش لعدم توافر الأدلة!

الحالة في البوسنة تثير القلق، فمعظم المقاتلين الذين سافروا إلى سورية والعراق كانوا واقعين تحت تأثير الأفكار السلفية، وقد أصدرت الحكومة قانوناً يجرم الأنشطة المتطرفة. لكن هل تستطيع السلطات جدياً محاربة التطرف استناداً إلى هذا القانون؟

قامت سلطات البوسنة والهرسك، إثر ذلك، بعملية أمنية في النصف الثاني من عام 2016 اعتقلت خلالها أحد عشر شخصاً يشتبه في تورطهم بأنشطة متطرفة وتجنيد أناس للقتال إلى جانب «الدولة الإسلامية». جاءت عملية المداهمة بالقرب من وحدة عسكرية، حيث قتل مسلح بالرصاص اثنين من الجنود البوسنيين في تشرين الثاني الماضي، ثم فجر نفسه بقنبلة. هذه المجموعة كان يشتبه في إعدادها لهجوم إرهابي كبير في سراييفو أثناء عطلة رأس السنة الميلادية الماضية، وكان من المفروض أن يقتل نحو مائة شخص، بينهم رجال شرطة. كذلك اعتقلت الشرطة خمسة أشخاص في كانون الثاني 2016 يشتبه في عزمهم الانضمام إلى صفوف المجاهدين في سورية.

حملت عملية مكافحة الإرهاب في شمال غرب البوسنة والهرسك اسم «دمشق»، وعثرت الشرطة خلالها على مخازن للأسلحة والذخيرة، وضبطت قنابل يدوية وألغاماً، والمواد اللازمة لطباعة رموز الجماعة.

ألقي القبض في ما بعد على شخصين بالقرب من حدود الجبل الأسود، وثلاثة في بلدة فيليكا كلادوسا شمال غرب البلاد، بالإضافة إلى بوسني آخر اعتقلته السلطات التركية بينما كان يحاول عبور الحدود إلى سورية. كذلك اعتقلت الشرطة خلال عملية «دمشق» الزعيم غير الرسمي للسلفيين في البوسنة والهرسك، حسين بلال بوسنيتش، في أيلول 2014، مع 15 آخرين. وهو أشهر داعشي في البلاد، ومعروف باسمه المستعار بلال، ومولود عام 1972 شمال البوسنة والهرسك، ومتزوج من أربع نساء ولديه 17 ولداً. وترجع شهرته إلى حقيقة أنه جند أكبر عدد من المتطوعين في أوربا للالتحاق بصفوف داعش، حتى اعتبره بعضهم مسؤول الجناح الأوروبي للتنظيم.

وحسب المدعي العام دوبرافكو كامباري فإن بوسنيتش يتحمل مسؤولية وفاة ستة أشخاص على الأقل من الشبان الذين ذهبوا للقتال في سورية والعراق، وأنه كان على اتصال وثيق مع الزعيم غير الرسمي السابق لسلفيي البوسنة نصرت إيماموفيك، الذي كان يقاتل في صفوف «جبهة النصرة».

ورغم تلقيه أموالاً من جهات خارجية، وتأسيسه تجمعات دينية غير مرخصة، ووجود صور له وهو في مدينة الرقة جنباً إلى جنب مع المقاتلين الشيشان، وتحريضه على الإرهاب، وتجنيده المواطنين وإرسالهم إلى سورية للمشاركة في القتال؛ أفرج عنه!

يشهد المجتمع البوسني اليوم وضعاً مضطرباً بعدما أصبح أرضاً خصبة للتطرف في السنوات القليلة الماضية، مع وجود الكثير من الساخطين الذين يعتقدون أن المواقف والتصرفات المتطرفة ستجعلهم يشعرون على نحو أفضل. إن المناخ الاجتماعي العام برمته يشجع على ذلك الأمر. إذ كيف يمكن لشبان في العشرينات من أعمارهم أن يذهبوا للقتال في بلد بعيد لا يستطيعون إيجاده حتى على الخريطة. ربما يبحثون عن معنى لحياتهم هناك بعدما فقدوا هذا المعنى في بلدهم الأصلي؟!