المشهد الميداني

 

صراعاتٌ داخليةٌ في المناطق المحرَّرة.. وجبهاتُ كرٍّ وفرٍّ مع النظام
الحرُّ يصمد في الغوطة الشرقية وحمص.. وينتظر وعود هيئة الأركان

يتراجع العمل الميداني العسكري الثوري ضد قوات جيش الأسد على مختلف جبهات الجغرافية السورية، لصالح بروز قضايا الخلافات الجديدة في المناطق المحرّرة. فتبدو جبهات حمص والغوطة الشرقية ـ الأكثر اشتعالاً ـ بعيدةً إلى حدٍ ما عن المشهد الميداني، رغم التصعيد الكبير في مدينة حمص وفي القابون وبرزة الدمشقيتين، مقابل تطور الصراع بين كتائب الجيش السوري الحر والكتائب الإسلامية التابعة لدولة الإسلام في الشام والعراق، بعد اعتقال أعضاء من المجلس المحلي في بلدة تل أبيض، التابعة لمدينة الرقة، من قبل تلك الكتائب، وتواتر عملية فتح وإغلاق معبر "بستان القصر" في حلب، من أجل حلّ الضائقة الإنسانية التي يعاني منها مدنيّو المناطق التابعة لسيطرة النظام في هذه المدينة.

تلك الصراعات، التي يصفها البعض بأنها هامشية، أخذت مجمل المشهد الإعلامي في الثورة، ونالت اهتمام كل الأطراف السياسية والعسكرية ذات الشأن في القضية السورية. فاتجهت بعض الجهات الأكثر اعتدالاً نحو تجريم الكتائب الجهادية واتهامها بتغيير دفّة الصراع وفتح جبهات هامشية جديدة والتعرّض لقياديين في الجيش الحر، ووصلت بعض هذه الجهات حدّ أن تقول إن مسألة توحيد المعارضة المسلحة أهم من تسليحها. وهو ما يجعل قضية الخلاف متقدمةً على قضية الصراع مع النظام في الجبهات المشتعلة.
فالتسليح عملياً هو الحل الوحيد لفكّ حصار حمص التي يحقق النظام فيها تقدماً ملحوظاً، وفي استعادة القابون كمنطقةٍ حيويةٍ وصِلَة وصلٍ بين دمشق والغوطة الشرقية، بعد تعرّض الحيّ لحصارٍ وقصفٍ شديدين من قبل قوات النظام السوري، التي بدأت باقتحامه بالفعل من عدة مداخل، أمام عدم قدرة قوات الجيش الحر على التمسك بمواقعها في هذه المنطقة الأكثر إستراتيجيةً ضمن جبهات العاصمة وريفها. بينما يشهد الحراك الشعبي أيضاً توجهاً نحو اتخاذ موقفٍ ومحاولة خلق حشدٍ جديدٍ يطالب بحقوق المدنيين في المناطق المحرّرة، فتتجه بعض التيارات في الرقة وفي حلب إلى تنظيم تظاهراتٍ ضد سياسات الكتائب العسكرية الحاكمة لهذه المناطق، ما يجعل مناطق الصراع مع النظام محصورةً ضمن صراعٍ مركزيٍ محليٍ يبتعد عن الصورة العامة، من الناحية العملية.

 

معركةٌ مفتوحةٌ

تتعامل قوات النظام السوري مع بعض المناطق بمبدأ القصف عن بعد، مع التخلي عن محاولة السيطرة أو الاقتحام تماماً، مقابل المحافظة على بعض القطع العسكرية والحواجز. وهو ما يتبدّى في جبل الزواية بإدلب، وجبلَي الأكراد والتركمان في اللاذقية، ومختلف مدن وأرياف المنطقة الشرقية، ما يجعل هذه الجبهات عرضةً فقط للقصف، وبعيدةً عن الاشتباك المباشر، مما يتيح تحقيق مكاسب لمصلحة الثوار، تتبدّى في السيطرة على حواجز أو قطع عسكرية صغيرة وحصار أخرى، كما يجري في وادي الضيف، ومطار دير الزور العسكري، والفرقة 17 في الرقة.
بينما يبدو الكرّ والفرّ سيد الموقف على جبهات الغوطة الشرقية، حيث يتقدم النظام على محاور معينة، خاصة في منطقة المرج، ليعود الجيش الحر ويسيطر عليها، مع ضمان استمرار سيطرته على الخطوط والقرى الرئيسية في الغوطة الشرقية ككل. وهو ما يؤكد قدرة القيادة العسكرية للحرّ في ريف دمشق على إدارة ساحة الحرب بامتياز، رغم قلة الإمكانيات والحصار الهائل الذي تتعرض له أكثر جبهات الثورة صموداً، والتي استطاعت خلال الفترة السابقة مأسسة العمل المحلي وتوفير الخدمات الطبية والإنسانية، وحماية الجبهات وتحقيق التواصل بينها بطريقة احترافية. إلا أن اشتداد الحملة على القابون ينبئ بضرب هذه الجبهة من خاصرتها، إذا لم تتمكن مجمل القوات في المحيط الدمشقي من الإسراع بإنقاذ القوى المحاصَرة وإعادة الجيش النظامي إلى مراكزه السابقة. وفي حمص يتوقف توغل النظام في حي الخالدية مقابل استمرار الحصار والقصف، أمام نداءات الثوار في الداخل للحصول على الدعم العسكري الذي وعدت به هيئة الأركان العامة.