العمال السوريون في أربيل: فئة ضعيفة يستغلها أرباب الأعمال

من أربيل - بعدسة الكاتب

كل يوم تهبط في مطار أربيل الدولي طائرة قادمة من دمشق، على متنها 200 راكب تقريباً، معظمهم شبان جاؤوا يبحثون عن فرص عمل في إقليم شمال العراق، الذي أصبح في العام الأخير رغم محدودية الطموحات والافتقاد إلى الحماية القانونية فيه، وجهة رئيسية للشبان السوريين الهاربين من البطالة والفقر والخدمة الإجبارية بجيش النظام.

بالنسبة إلى أرباب الأعمال، العمال السوريون فئة ضعيفة يمكن استغلالها، فلا عقود أو ضمانات أو تأمينات تثبت الحقوق المالية للعمال في حال تملص رب العمل عن دفع الأجور، أو في حال حدوث إصابات؛ فكل ما يتطلبه تشغيل عامل سوري هو موافقات شكلية من السلطات الإدارية والأمنية، تختلف طرق الحصول عليها من مدينة إلى أخرى في الإقليم، الذي يشكل السوريون القوام الرئيسي لليد العاملة في اقتصاده المحلي، ويعمل معظمهم في مجالات البناء والمعامل والمطاعم والفنادق والمحلات التجارية.

لا يوجد إحصائية دقيقة لعدد العمال السوريين في الإقليم، ولكن وصل عدد القادمين خلال العام الماضي إلى 150 ألفاً تقريباً.

قبل ستة أشهر، جاء هاني (٢٣ عاماً) إلى أربيل وعمل في نقل طلبات الطعام على دراجة، لكنه أصيب بحادث سير نقل على إثره إلى المستشفى. صاحب السيارة التي تسببت بالحادث، اتصل بأصدقاء هاني وطلب منهم أن يقنعوه بألا يتقدم بشكوى ضده "ما بيكون غير رضيان" وقال بأنه سيتكفل بكل شيء.

لم يقدم هاني شكوى، قضى خمسة أيام في المستشفى تكفل المتسبب بالحادث بدفع ألفي دولار تكلفة الإقامة والعملية التي أجريت له. وبعد أن ضمن أن هاني لن يقدم شكوى دفع له ثلاثمئة دولار فقط لا غير، وهذا المبلغ لا يكفي لتغطية الأدوية التي يحتاجها، علماً أنه سيبقى عاجزاً عن العمل لعدة أشهر.

ورغم أن الحادث وقع أثناء العمل، لم يحاول صاحب المطعم مساعدة هاني، فسرعان ما استغنى عنه ووظف شاباً آخر مكانه، فارتفاع أعداد الباحثين عن العمل من السوريين، إضافة إلى نوع المهن غير الماهرة التي يعملون بها، تجعل الاستغناء عن أي منهم بلا تأثير على أرباب الأعمال.

باسل (٢٧عاماً) معيل لعائلته في سوريا قدم من لبنان العام الماضي بحثاً عن فرص أفضل، يعمل حالياً في معمل صناعات غذائية. "لما جيت آخد الشغل حكالي المشرف عن الشغل المطلوب مني والدوام من أي ساعة لأي ساعة. ما حكا شي عن التأمينات أو الصحة". وبرغم الرقابة المشدّدة على هذه المعامل خصوصاً من وزارة الصحة، إلا أنها تتهرب من تسجيل العمال وإجراء الفحوص الصحية الدورية لهم، لخفض النفقات والتهرب من دفع رسوم التأمين "لما إجى تفتيش قعدونا بغرفة وأكدوا علينا ما نطلع ليخلص التفتيش، وفي مرة كانوا مضطرين ع التحاليل الصحية خلونا نعملها على حسابنا".

تقع الكثير من الحوادث في الورشات ومواقع البناء يعود معظمها إلى ضغط العمل، حيث يتجاوز الدوام تسع ساعات يومياً وقد يصل إلى 12 ساعة في كثير من المهن التي تتطلب مهارة وتركيز وقوة بدنية.

حسان (٣٠ عاماً) يعمل في ورشة تركيب مطابخ للشقق السكنية. "قطعت إصبعي بمنشار الكهربا، ما بتذكر كيف صار الحادث بس بتذكر إنه المتعهد طلع مصاري وعطا للناطور وقله خذو عالمستشفى، ورجع كمل شغل عادي". تطلب العلاج إجراء عملية جراحية وعطلة طويلة للتعافي من الإصابة "صرلي زمان بشتغل مع المقاول مشان هيك دفع للمستشفى، وعطاني راتب شهر بعد ما الشغيلة ترجوه" يقول حسان الذي يعد نفسه محظوظاً، إذ كان "معلمه" قادراً على التنكر له، لكنه "طلع ابن حلال". بخلاف معلم محمود (19 عاماً) عامل البناء الذي سقط من ارتفاع طابقين، لكنه ظل بلصق الحائط أثناء سقوطه ما خفف من أثر الصدمة كما يرى محمود، الذي أصيب بجرح عميق في الجبهة وكسر في الذراع، ولم يتلقَ في المستشفى إلا إسعافات أولية واكتفى معلمه بتعويضه بمئة دولار، وعندما حاول العودة إلى العمل ثانية بعد الإصابة التي ما تزال آثارها واضحة على محمود، اعتذر منه بحجة أن "الشغل خفيف".