الطبقة ...معركة الحفاظ على الاقتصاد الوطني

خاص عين المدينة

في العاشرة من مساء يوم الخميس الموافق 7/2/2013 بدأت معركة «العلم» وهو اسم الدوار في مدخل الطبقة الرئيسي, حيث تمركزت قوات الأسد منذ عدة شهور لتحكم سيطرتها على المدينة. وفي المعركة التي استُخدمت فيها مختلف صنوف الأسلحة من دبابات ومدرعات ومضادات طيران، تلقت قوات الأسد هزيمة نكراء, فمع طلوع شمس الجمعة رفرف علم الاستقلال مكان علم النظام على ذات السارية في منتصف الدوار, ولم تفلح طلعات الميغ ولا براميل الحوامات في ثني الثوار عن دخول الطبقة والتي أصبح تحريرها حين ذاك مسألة وقت.
ومع احتدام المعركة في المدينة، تراجعت المجموعات الأمنية لتتحصّن في مقراتها, وخلال ثلاثة أيام دخلت كتائب الجيش السوري الحر الطبقة, ونفذت على الفور حصاراً محكماً على المقرات الأمنية التي تساقطت تباعاً بأيدي الحر، حيث استسلم قادة وعناصر فرع الأمن العسكري, وكذلك فعل الجنود والضباط المتحصنين في مقر قيادة المنطقة, ومن على ضفة البحيرة خلف سد الفرات الشهير انهارت كتيبة المدفعية بكاملها وهام جنودها وضباطها على وجوههم حيث ألقى بعضهم بنفسه في مياه البحيرة في مشهد لن ينساه أهالي المدينة, خاصة وأن تلك الكتيبة طالما أمطرت بيوتهم وغرف نومهم وشوارعهم بقذائفها المرعبة.

 

المربع الأمني بين يدي الحر

ومع احتدام المعارك في المدينة تمترست عناصر النظام الأمنية فيما يسمى المربع الأمني والذي يحتوي مقرات المخابرات الجوية والسياسية وأمن الدولة إضافة إلى كتيبة الهجانة ومقر حزب البعث، إلا أن مجموعات الحر أحكمت سيطرتها على محيط المكان، وفي مفاوضات سرعان ما باءت بالفشل رفضت القوات المتحصنة في المربع الأمني الاستسلام فكانت المعركة الفاصلة.
استغرقت السيطرة على المربع الأمني ثلاث ساعات حيث نفذ الثوار اقتحاماً بطولياً, قتل فيه العشرات من جنود الأسد وأسر الباقون الذين كان على رأسهم قائد كتيبة الهجانة ومدير الأمن السياسي المقدم كابي شمعون وفي لفتة ذات دلالة, حينها بث الثوار مقطعاً مصوراً عبر موقع اليوتيوب يظهر فيه قائد الهجانة وقائد الأمن السياسي مع كاهن مسيحي عرّف عن نفسه باسم الأب «سمعان نصري الخوري» من كنيسة الطبقة, وقال الأب إنه يأمل أن تكون الطبقة مدينة رائدة وأن يتم إطلاق سراح الأسرى.

 

أبو جمــعة قتيـــــــــــــــــل الحياد

بين قتلى المربع الأمني كان أبو جمعة, وهو صف ضابط من فرع الأمن السياسي ينحدر من ريف حلب, أقام لسنوات طويلة في مدينة الطبقة، ومع اندلاع الثورة وقف أبو جمعة موقف الحياد وتابع حياته بشكل طبيعي, كان أبو جمعة وحده من بين مئات الجنود والضباط قادراً على زيارة الأحياء التي تحررت بوقت مبكر، وخاض نقاشات كثيرة مع الثوار حول صواب استمراره في الخدمة ,لكنه لم يكن يرى في الامن السياسي الا مجرد فرصة عمل
يقول أحمد وهو رجل في الاربعينات أن أبا جمعة كان رجلاً بسيطاً وطيباً, وأنه نصح أبا جمعة مرات كثيرة أن يهرب، ولكن القدر شاء أن يكون أبو جمعة ليلة الاقتحام بين المحاصرين في المربع الأمني الذين رفضوا الاستسلام, وأثار وجود جثته بين القتلى، مشاعر حزن وأسف بين مقاتلي الحر الذين تمنوا على هذا الرجل وفي مرات كثيرة أن يترك الطبقة وينجو من هذا المصير الذي لم يتمناه له مــــن أهالي الطبقـــــــة أحد.

 

وما تبقـــى من جنــــــــود الأســـــــــد....

tabqa

شارع الكورنيش - الطبقة | خاص عين المدينة

على شاطئ البحيرة, وفي أول أيام استقلال المدينة, خرج عبد اللطيف وهو مهندس كهربائي يعمل في سد الفرات في جولة حول بحيرة الفرات, وخلال مشواره الفريد ذاك ومن حرش أشجار يحاذي البحيرة, برز جندي حافي القدمين وركع أمام عبد اللطيف متوسلاً إليه أن ينقذ حياته بعد أن سقطت كتيبة المدفعية وكانت ثياب الجندي مبللة، حيث أمضي ليلته مرتجفاً في المياه.
يقول علاء اسبر وهو اسم الجندي إنه شاهد فرار الضباط وشاهد المروحية التي حطت على جسم السد لتنقل سبعة من الضباط المدعومين كما يصفهم وتتركه وهو العلوي أيضاً مع العشرات من زملائه  لمصير مجهول, وإنه وفي هذه اللحظة اكتشف حقيقة هذا النظام الذي دافع عنه وبكل سذاجة على حد تعبيره وكاد يخسر حياته من أجله, عرض علاء على عبد اللطيف مبلغاً مالياً كبيراً لينقله

بعيداً عن الطبقة,لكن عبد اللطيف لم يفعل بل استضاف علاء في بيته, مع جنود آخرين برزوا تباعاً لعبد اللطيف, ثم أخبر إحدى كتائب الجيش الحر عن هؤلاء الجنود، وجاء مقاتلو الحر إلى البيت وخيروا الجنود بين البقاء في الطبقة أو إيصالهم إلى حيث يشاؤون، وهذا ما حصل فعلاً، حيث انضم اثنان من الجنود الى الجيش الحر ونقل الجنود الآخرون كل إلى بلدته, أما علاء فمازال يحلم بسقوط سريع للأسد بعيداً عن بلدته صلنفة حيث يعجز عن الذهاب إليها خوفاً من الوقوع هذه المرة في قبضة جنود الأسد.

 

50 عاملاً يسيّرون عمل سد الفرات على أكمل وجه بحماية الجيش الحر

في داخل جسم السد, يتابع بسام الشمالي وخمسون موظفاً آخر عملهم على مدار 24 ساعة, هذا العمل الهام والخطر في جوانب منه الذي يدركه هؤلاء الموظفون إذ تحملوا كل المعاناة أثناء وقبل تحرير المدينة, فجنود وعناصر الأمن والجيش المحيطون بمنشأة السد لم يكن يعنيهم كثيرا اهمية عمل هؤلاء, وكان المرور على الحواجز مغامرة يومية قد تودي بحياة أحد الموظفين وخاصة المتحدرين منهم من المناطق الثائرة.

يقول بسام: إن الله وحده من أنجاه يوم أوقفه عناصر الحاجز أمام السد, وأخذوا يتحدثون عن قتله بعد أن عرفوا انه من مدينة الرستن, وأنهم سخروا من عمله ثم أطلقوه أخيراً بعد ساعة من الرعب, ليغامر من جديد في صباح اليوم التالي بالذهاب إلى عمله والمرور من الحاجز المخيف نفسه
يشكو بسام من عمليات النهب التي تعرضت لها مستودعات قطع الغيار اللازمة لأعمال الصيانة لمعدات السد وتجهيزاته, وينبه إلى خطورة هذه المسألة فأي عطل طارئ في إحدى الآلات يعني التوقف والعجز عن إصلاحها.
ومن جانب آخر يشكو موظفو السد من انقطاع التواصل مع موظفي سد تشرين وسد البعث وهو التواصل اللازم للتحكم بتدفقات المياه المارة عبر بوابات هذه السدود, وضبط مناسيب المياه في البحيرات المحجوزة خلفها.

وأبدت كتائب الجيش الحر تعاونها الكامل مع الموظفين, وأبدت حرصاً شديداً يوم التحرير على الحفاظ عليه, وأمنت حراسة دائمة له, ولم تتوقف أعمال السد خلال الفترات الماضية بفضل جهود موظفيه, وإصرارهم, بالرغم من انقطاع رواتبهم ومنذ أشهر, لأنهم يدركون أهمية ما يقومون به, في قطاعات الكهرباء والري ومياه الشرب وعلى مستوى المنطقة الشرقية كلها, فسد الفرات الذي يحجز خلفه بحيرة بـ 14  مليار متر مكعب من المياه, ويؤمن طاقة كهربائية بـ 1.6 مليار كيلو واط ساعي سنوياً, هو مؤسسة استراتيجية كبرى, حافظ عليها مقاتلو الجيش الحر, ونجح في إداراتها خمسون عاملاً فقط.
يشكو نائب رئيس المجلس المحلي في الطبقة الدكتور محمد المخلف من قلة الموارد المادية، ويعتبرها العائق الأكبر أمام عمل المجلس, حيث يعجز المجلس المحلي عن التصدي لمشاكل كثيرة مثل توقف أعمال النظافة في المدينة, وندرة الأدوية والمعدات الطبية, وكثرة المحتاجين إلى إغاثة عاجلة وخصوصاً مع انقطاع الرواتب في مدينة عمالية مثل الطبقة, كذلك انعدام التنسيق مع مجلس محافظة الرقة المحلي, والذي لم تتمثل فيه الطبقة بأي ممثل, وتمنى أن تنال الطبقة اهتماماً أكبر من الهيئات والمؤسسات المعنية وخصوصاً مع حالة فوضى المجالس وانقساماتها في الرقة.

من غرفة التحكم في جسم السد - خاص عين المدينة

من غرفة التحكم في جسم السد - خاص عين المدينة