في سورية، البلاد التي دأب الأسد طويلاً، ونجح إلى حد كبير في تحويلها إلى مزرعة مملوكة للعائلة «المقدسة» ولمن والاها تبعاً لعلاقات القرابة والارتباط والخدمات التي يؤديها المرء لاستمرار حكم وسيطرة العائلة، صارت لمفهوم السيادة أو «الثيادة»، كما يتلفظ بها «الولد الأكبر» الحاكم، دلالات غير ما يعرفه الجميع، من المواطن العادي حتى الخبراء الدستوريين والمشرعين والفقهاء.

المتتبع لخريطة توزع القوى في سورية، وخاصة منذ نهاية العام الثاني من الثورة، وفي بدايات 2013، يلحظ أن النظام، بجيشه ومخابراته وميليشياته، كان الطرف الأضعف والفئة التي تسيطر على أقل مساحة من الأرض، وكانت عوامل انهياره تزداد، فقرر أن يستفيد من «حقه» -الذي ما زالت الأمم المتحدة والدول الغربية تمنحه إياه، بالرغم من ادعاء الكثير من قادتها فقدانه الشرعية وضرورة رحيله- في ممارسة السيادة على البلاد، بطلب تدخل القوى الخارجية الصديقة له، وأولها إيران، التي لها المصلحة الأكبر في استمراره كحاكم ضعيف يتسول دعمها ويبقى ألعوبة بين يديها، فسارعت، لمصلحتها أولاً، إلى دعمه بالمال والسلاح والقوى البشرية. وعبر خطابها الطائفي وتحريض الشيعة في كل أنحاء العالم، حشدت وجندت عشرات الميليشيات تحت إشراف الحرس الثوري مباشرة، إلى درجة صار فيها قاسم سليماني مفوضاً سامياً على سورية، يوجه ضباط النظام في بعض الحالات.

ورغم ذلك لم تستطع كل قوات الميليشيات الطائفية إحراز تقدم نوعي لصالحها ولصالح النظام، وعندها قرر الأخير أن يتوسع في ممارسة «حقه السيادي» فطلب من روسيا التدخل المباشر. وكان هذا الطلب، بالنسبة إلى روسيا التي تدعمه عسكرياً وتغطيه سياسياً، فرصة لا تعوض لدولة تراجع دورها ونفوذها، وأهينت في عقر دارها من الغرب، لاسترداد جزء من هيبتها بالبلطجة لصالح النظام. وبالطبع، لم يكن هذا التدخل بعيداً عن التوافق مع الشريك الإسرائيلي الذي يدّعي النظام، وحليفته ميليشيا نصر الله، «مقاومته وممانعته».

وأسهم التدخل الروسي في سحق حركة الشعب السوري بوجه النظام، من خلال الهمجية المفرطة في تدمير المدن والبشر، ناهيك عن تلاعباته واتصالاته السياسية مع المعارضة الناعمة المفصلة على المقاس المخابراتي.

الولايات المتحدة، وكدولة عظمى تنتشر مصالحها وحلفاؤها في مختلف أنحاء العالم، كانت حاضرة عبر حليفها الأساسي، أو ما تعتبره «قواتها البرية» المتمثلة في وحدات حماية الشعب الكردية التابعة لفصيل صالح مسلم، الذي دفع ببراغماتيته إلى أقصى درجات الانتهازية، حتى قامت أميركا بإنشاء قواعد عسكرية في الشمال الشرقي من البلاد.

أما تركيا، ولأنها تحملت العبء الأكبر من مسؤولية اللاجئين، وكانت من الداعمين الأوائل لثورة السوريين، والتي تعتبر وجود قوات الحماية الشعبية الكردية، إحدى أدوات حزب العمال الكردستاني، خطراً لما يمكن أن يشكله من إمكانية إقامة كيان يكون ملاذاً وداعماً للحزب الأم في تركيا؛ فسارعت في النهاية، ومنذ آب 2016، إلى التدخل المباشر لتدعم فصائل الجيش الحر في الحفاظ على الحدود بعيداً عن سيطرة الميليشيا الكردية أولاً، ولطرد داعش ثانياً.

لن نستطرد أكثر في حجم التدخلات في سورية، والتي هي، بشكل من الأشكال، تعبير عن صراع على مصالح الأطراف المتدخلة، فالقائمة تطول.

ولكن لا بد من الحديث عن الطرف الذي يزعم صاحب السيادة أنه يقاومه ويمانعه طيلة وجوده في السلطة، ولكن على طريقته، والجولان أكبر مثال على هذه المقاومة، وهو إسرائيل، والتي يبدو أنها اللاعب الأساسي في الحفاظ على وضعٍ في سورية يكون فيه الحاكم ألعوبة، والمفضل هو صاحب «الثيادة». لهذا الطرف حسابات مستقبلية، وأهمها ألا يترك أي إمكانية لقوة ما في البلد، وثانياً أنه، ضمن علاقة الصراع مع حزب الله، قام لمرّات عديدة باختراق الأجواء وضرب الكثير من المواقع العسكرية. لكن يبدو أن هذه الضربات لا تخرق السيادة، لأنها تتم بالتنسيق مع الشريك الروسي!

بالطبع، يجمع النظام حقوق الرد على إسرائيل، وسيختار المكان والزمان المناسبين، ويبدو واضحاً أن المكان هو الأراضي السورية التي خرجت عن سيطرته وأن الضحايا هم سكانها.

لا يبدو مفهوم السيادة واضحاً، حتى بمنظور النظام، إلا إذا قاربناه من مفهوم العاهرة التي لها الحق في أن تستقبل من تشاء وترفض من تشاء، إنه جسدها!