السوريون وإسرائيل.. وتحولات مفهوم "العدو الأول"

من غير المرجح أن تؤدي نتيجة الانتخابات في إسرائيل إلى تغيرات دراماتيكية في طبيعة توجهاتها السياسية تجاه سوريا، والتي باتت تتحدد الآن بالموقف من الوجود الإيراني.

انحسر مؤخراً الصراع على رئاسة وزراء إسرائيل عن فوز صعب بفارق مقعد واحد، إذ حصد التكتل الذي يقوده رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو زعيم حزب "ليكود" اليميني ستة وثلاثين مقعداً من مقاعد "الكنيست"، بينما حاز على خمسة وثلاثين مقعداً التكتل الذي يقوده الجنرال المتقاعد بيني غانتس رئيس الأركان الأسبق -إبان حرب 2006- تحت عنوان "أبيض أزرق" المشتق من علم إسرائيل ويوصف بأنه "تحالف الجنرالات".

يُفترض نظرياً أن تحافظ جارتنا الجنوبية على موقفها المعلن رسمياً بعدم التدخل في ما تصفه بـ"الحرب الأهلية" في سوريا، مع أنّ طرفي الصراع في سوريا يرميان بعضهما بإصرار عنيد بتهمة "العمالة" لإسرائيل وخدمة مصالحها.

وبطبيعة الحال، فهذه ليست محاججة في التساوي بين الطرفين، لأنّ نظامي حافظ وبشار الأسد اعتادا على اتهام كلّ من يعارضهما داخل سوريا وخارجها بالخيانة والعمالة لإسرائيل، وهي تهمة لا تثبت عادة بالنسق القانوني النزيه، مقابل توزير أشخاص أدينوا قضائياً بالتعامل المباشر وتسهيل الدعارة للجاسوس الأشهر كوهين، كما أنّ ثمة تسريبات متكررة تفيد بأن إسرائيل -حكومة نتنياهو للدقة- تفضّل بقاء الأسد باعتباره "معروفاً ومضموناً"، ناهيك عن أنّ التدخل الروسي منح الدولة العبرية هامش اطمئنان أكبر تجاه السيطرة على النزعات الانتحارية المعتادة في حالة طغاة مثل الاسد وهم يواجهون تحدياً وجودياً.

بعد الثورة، خرجت الحالة الفصامية المزمنة في الموقف من إسرائيل داخل المجتمع السوري إلى العلن، والواقع أنّ الموقف من القضية الفلسطينية وإسرائيل داخل المجتمع السوري، لم يكن يوماً على حالة "المونوتيب" التي قدمتها دعاية النظام على مدى نحو نصف قرن. وبينما تعرضت النظرة الى إسرائيل إلى تحولات عديدة وعميقة بفعل العوامل السياسية والاقتصادية وأساساً نتيجة حيوية المجتمع السوري، ولم تعد توجد شريحة معتبرة من السوريين تؤمن فعلاً ببروباغندا " فناء إسرائيل ورمي اليهود في البحر"، فإن الصورة الحقيقية لهذه الرؤى الاجتماعية المتناثرة والمتضادة قد تم إخفاؤها تحت ستار دعاية البعث والعسكرتاريا المافيوزية الطائفية المزرية التي لا تخشى مثلما تخشى الحيوية الاجتماعية.

ولطالما عنت فلسطين بالنسبة إلى السوريين، قضية محقة يتم استثمارها لتسويغ وتكريس الطغيان ونهب المال العام بشعارات زائفة عن توازن استراتيجي لم يتحقق يوماً.

ثمة إدراك عام لضرورة السلام، وقد قبل السوريون بسهولة فكرة التفاوض مع إسرائيل، ومع أن الثورة ولّدت استقطاباً متضاداً بين سوريين يريدون دولة مدنية متحضرة تعيش واقع العالم الراهن -بما فيه القبول بإسرائيل كدولة جارة- وبين سوريين انعطفوا نحو أواليات الدفاع عن الطغيان الأسدي وإعادة اشتقاق كلّ سردياته عن العداء التاريخي والقضايا المركزية والمؤامرات التي لا تنتهي، بل إن نسبة وازنة منهم عادت لتبني الخطاب الرسمي الإيراني الأكثر عدائية وتخلفاً تجاه اسرائيل. وهو بكل الاحوال "خطاب صراخي" لا ينتج من العداء المعلن سوى عملية منتظمة لرعاية الإرهاب وممارسته عملانياً ضد السوريين أنفسهم، وهذا ما تبدى بوضوح في طبيعة رد النظام وحلفه على قرار ترامب الأخير بالاعتراف بضم الجولان السوري المحتل إلى " السيادة الإسرائيلية".

وفي هذا التقابل تنشط الكثير من الخرافات الجيوسياسية المتكررة، كتلك التي تصف الأسد بأنّه حامي حدود إسرائيل مع أنه لم يستطع حماية نظامه نفسه، أو ما يتعلق بنزعة إسرائيل لتدمير نظامه، مع أنها في الواقع تتعامل معه على أنه الرديء المتوافر والذي لا يشكل خطراً ولا يمثل مجهولاً ينبغي سبره مجدداً؛ والحقيقة أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة حتى الآن التي تتعامل مع نظام الأسد بقوة عسكرية محضة بناء على حاجاتها الأمنية دون اكتراث بحسابات دولية أتاحت بقاء النظام رغم كل مجازره.

ثمة تبدل محوري في طبيعة إقرار السوريين بصفة "العدو الأول"، وبوضوح تشير مواقف كثيرة ومؤكدة إلى أن إيران قد أزاحت إسرائيل عن صدارة هذه القائمة في الوعي العام السوري في جانب الثورة، في حين أن "منحبكجية" وشبيحة الأسد باتوا يعتبرون السوريين المعارضين هم "عدوهم الأول".. لا إسرائيل