الدعارة في حلب

فادي حسين ومصطفى أبو شمس

على الدوّار، بالقرب من كلية الهندسة المعمارية في حيّ الشهباء، تقف ثلاث نساءٍ من أعمار 18 و35 و45، أمامهنّ أكياسٌ من الخبز يبعنها للتغطية على عملهنّ الأساسيّ، إذ يعرضن أنفسهنّ لبيع أجسادهنّ.

عند اقترابي منهنّ في سيارة أجرةٍ اقتربت الصغيرة التي ترتدي الحجاب ومانطو قصيراً وعلى وجهها كميةٌ مبالغٌ فيها من الماكياج لا توحي بأنها تبيع الخبز. سألتها عن سعر الربطة فابتعدت لتأتي أكبرهنّ، التي ترتدي مانطو بنّياً وتوحي لهجتها بأنها حلبيةٌ دخيلة، وتسألني عن طلبي. اشتريت الربطة بـ200 ليرة. وعندما سألتها: «وغيرو؟» أجابت: «ما عنا شي تاني إلك»، ومضت تطقطق بعلكةٍ كبيرة.

سائق التاكسي الخمسينيّ قال إنه يراهنّ في المكان نفسه منذ أكثر من سنة. وإنه، بحكم خبرته، يعرف «المنيحة من العاطلة». وإن المرأة الكبيرة قوادة. ثم أضاف أن هذه الظاهرة انتشرت كثيراً في الآونة الأخيرة، وصارت لها صفة العلنية. وأن أغلب تلك النساء مدعوماتٌ من رجالٍ «واصلين» لا يستطيع أحدٌ محاسبتهم.

طريق المحلّق، أو «الصنم» كما يسميه أهالي حلب، الذي كان متنفساً للمدينة في ما سبق، تخرج العائلات إليه للتنزه وتناول المشاوي وتدخين الأرجيلة؛ أصبح الآن وكراً للنساء اللواتي يعملن بالدعارة وبطريقةٍ فجة. عند توجهي إلى هناك لاحظت أن معظمهنّ محجبات، وعددهنّ يتجاوز الـ20 موزّعاتٍ على الطريق الذي يمتد حوالي 1 كم، والسيارات تقف لتحمل من تتفق معه منهنّ.

توجهت إحدى الفتيات إلى التاكسي بعد أن وقفنا إلى جانب الطريق. أدخلت رأسها من الشبّاك وسألتنا: «وحدة ولا تنتين؟». أجابها السائق: «وحدة»، فسألتنا إن كنا نريدها بنتاً أو متزوجة. سألنا عن السعر فكان 2500 ليرةٍ للبنت و5000 للمتزوجة. الفرق أن البنت تعطيك القسم العلوي من جسدها فقط، أما المتزوجة فتقيم معك علاقةً كاملةً لمدة ساعة، وإن تجاوزت الساعة فتدفع 5000 أخرى.

علاء (27 سنة)، يملك محلاً لألعاب الكمبيوتر بالقرب من المدينة الجامعية، قال لنا: «هناك فتاةٌ عمرها 16 عاماً تأتيني كل يومٍ لتترك أخاها الصغير لسبع أو ثماني ساعاتٍ في محلي ليلعب بالكمبيوتر ثم تعود مساءً لتأخذه، علماً أن أجرة الساعة 100 ليرة. بدا الأمر غريباً، وعندما سألتها عرضت نفسها عليّ مقابل 5000 ليرة، وقالت إنها تخرج من البيت بصحبة أخيها على أنها ذاهبةٌ لتعلم الخياطة في مكانٍ قريبٍ من محلي، وإن أهلها فقراء وهي في حاجةٍ إلى المال». بينما أخبرنا أحمد، وهو صاحب ميني ماركت في المنطقة نفسها، أن الكثير من فتيات الجامعة امتهنّ الدعارة، وأن بعض الواصلين -في إشارةٍ منه إلى الشبّيحة- هم من يقوم بتشكيل الشبكات، وأن هذه البيوت تنتشر في المنطقة، ومعظم زبائنها شخصياتٌ «ذات أسماء في البلد».

بالقرب من مشفى الضبيط في حيّ المحافظة، وعلى بعد 100 مترٍ فقط عن فرع أمن الدولة، تقف فتاةٌ يبدو من ملامحها أنها لا تتجاوز الـ25 سنة، بلا مكياج، تضع على رأسها حجاباً أبيض وترتدي بنطالاً من الجينز، تستوقف السيارات وهي تنادي بصوتٍ مرتفع: «بـ1000 ليرة بس، والله بلاش». وعندما اقتربنا قالت لنا: «تعو، ليش خايفين؟»، ثم همّت بركوب السيارة ولكنها استدركت: «الدفع بالأول. عطوني 2000، أنتو تنين».

الأستاذ أحمد. ح، وهو مرشدٌ نفسيّ، قال لنا: «بعد الأحداث الأخيرة وغياب القوانين وانتشار الشبّيحة في المدينة، لم تعد هناك سلطةٌ للأهل على بناتهم ولا للزوج على زوجته. صارت التهم جاهزةً وبات تحدي الدعارة أمراً مخيفاً. كما أسهم غياب الرقابة القضائية في انتشار هذه الظاهرة كذلك».

العم أبو أحمد، وهو من عائلةٍ معروفةٍ في المدينة، قال لنا: «الواحد ما عاد يأمن على بنتو ومرتو يطلعو من البيت. إذا أخدا حدا ما منسترجي نطالب فيها، والتفتيش عالحواجز حتى للنسوان. صار الواحد يخاف يزعّل مرتو تروح تتطوّع بالجيش، ما عدنا استرجينا نحكي معن ولا كلمة». يضحك ثم يتابع: «الله يستر على ولايانا. قبل كان وقت تنذكر كلمة بحسيتا* الواحد يخجل، هلق كل شي صار عالمكشوف. هاد آخر زمن».

ويقول أحد المحامين في حلب، رفض ذكر اسمه: «أسهمت الصلاحيات التي أعطيت للشبّيحة ولرجال الأمن في انتشار الدعارة، فالكثير منهم يقوم بدور القوّاد ويحمي البيوت التي تقام فيها سهرات السكر والعربدة وسط امتعاض أهالي الحيّ، ولكن الجميع يسكتون ولا يقدرون على الشكوى، فالشبّيحة أعلى من سلطة القضاء في المدينة».

* بحسيتا حيٌّ في مدينة حلب كان يحوي دوراً مرخصةً للدعارة.