اجتماعات فيينا..

مقدمةٌ لبحث الحلّ أم للحرب المفتوحة؟

بعد أن اجتمع وزراء خارجية أميركا وروسيا وتركيا والسعودية في فيينا الأسبوع الماضي لبحث الملف السوريّ، خرج الاجتماع من دون أيّ نتائج سوى الدعوة إلى اجتماعٍ أوسع يضمّ كلّ الأطراف المعنية. وعلى هذا الأساس عقد اجتماع فيينا الثاني بغياب ممثلي المعارضة والنظام، في ما يبدو أنه اتفاقٌ غير معلنٍ من قبل الدول المؤثرة على أنّ الهدف الأساسيّ للمرحلة الحالية هو التوصل إلى اتفاقٍ وحلولٍ وسط في مواقف هذه الدول قبل أن يتمّ الحديث عن آلية تطبيق ذلك في الميدان السوريّ المغيّب عن صنع القرار.

الخلافات الدوليّة

خرج اجتماع فيينا الثاني بالاتفاق على ورقة ثوابت عامةٍ من تسع نقاطٍ أبرزها:

  • وحدة الأراضي السورية واستقلالها وسيادتها.
  • المحافظة على مؤسّسات الدولة السورية.
  • أن تتمّ هزيمة داعش والمنظمات المصنّفة إرهابيةً لدى الأمم المتحدة.
  • أن يتمّ العمل على دعوة الأطراف السورية للاتفاق على عمليةٍ سياسيةٍ وفقاً لبيان جنيف 2012 والقرار الدوليّ رقم 2118، تفضي إلى سلطةٍ ذات مصداقية، كاملة الصلاحيات، غير طائفيةٍ، تمهيداً لانتخاباتٍ حرّةٍ وعادلةٍ يشارك فيها كلّ السوريين في الداخل والشتات تحت إشراف الأمم المتحدة.
  • سيقوم المشاركون، بالتعاون مع الأمم المتحدة، باستكشاف طرقٍ لوقف إطلاق النار في جميع أنحاء البلاد. على أن يتمّ تحديد تاريخٍ معيّنٍ لذلك بالتوازي مع العملية السياسية.

تبدو معظم هذه البنود ثوابت عامةً سبق وأن أُقرّت في العديد من الاجتماعات الماضية، وعلى رأسها اتفاق جنيف. فيما لم يرشح شيءٌ عن النقاشات التفصيلية التي جرت بين الدول المختلفة في المواقف، سوى أن وزراء الدول المجتمعة سيعاودون اللقاء في غضون أسبوعين، بعد أن يقوموا "ببذل جهدهم لردم الفجوات وبناء اتفاقٍ فيما بينهم". ففي حين تصرّ تصريحات كبار المسؤولين في السعودية وتركيا وفرنسا على إزاحة بشار الأسد، أو حتى جدولة ذلك زمنياً في حال الاتفاق على تشكيل هيئة حكمٍ أو حكومةٍ انتقالية، حتى لو لم تُطرح هذه القضية بعد على طاولة مباحثات فيينا؛ جاء تصريح المتحدث باسم الرئاسة الروسية، ديمتري بيشكوف، حول هذه المسألة مناوراً حين قال: "سيُترك الأمر للأطراف السورية". في الوقت الذي يتمّ فيه استدعاء الأسد إلى موسكو، وما لذلك من دلالاتٍ سياسية، تزامناً مع الإصرار الروسيّ على تغيير الواقع العسكريّ لصالح النظام، ما سيجعل المباحثات بين المحور التركيّ السعوديّ والمحور الروسيّ الإيرانيّ خاضعةً للفاعلية والنفوذ على الأرض، ما لم يتمّ تقديم تنازلاتٍ قابلة للتطبيق.

أوراق الضغط العسكرية

مثّل مؤتمر فيينا الأخير، للمرّة الأولى منذ قيام الثورة، تعبيراً صريحاً عن الاستقطاب الدوليّ حول سورية، وبات الحديث عن التورّط الدوليّ في البلاد مكشوفاً. وما التركيز على رصّ المعسكرين الأساسيين المؤثرين لصفّيهما السياسيّين سوى مزيدٍ من هذا الاستقطاب، في ظلّ تباين مصالح الدول وانخراطها بشكلٍ جزئيٍّ أو كليٍّ في الميدان. وفيما يسعى الروس إلى كسب الوقت وتحقيق الأهداف التي جاؤوا لفرضها من خلال أكثر من 1600 غارة جوية -وفق وزارة الدفاع الروسية- استهدفت أغلبيتها المناطق المحرّرة والجيش الحرّ، فإن السعوديون والأتراك ومن معهم قاموا بزيادة الدعم العسكريّ للفصائل الثورية بما يتناسب وحجم وطبيعة المعارك القائمة. وقد ظهر هذا جلياً في صدّ هجمات الميليشيات الإيرانية وقوّات النظام في ريفي حلب الشماليّ والجنوبيّ وسهل الغاب، فيما استطاعت فصائل الجيش الحرّ تحرير بلدة دورين ومناطق أخرى قريبةٍ من بلدة سلمى الإستراتيجية في ريف اللاذقية، وكذلك استطاع جيش الفتح تحرير قرى سكيك ومعركبة ولحايا في ريف إدلب الجنوبيّ وحماة الشماليّ ضمن ما يعرف بغزوة حماة.

على ضوء ذلك، لا تشير المعطيات السياسية والميدانية في المدى المنظور سوى إلى انتقال المعارك السياسية بين الأطراف الدولية إلى الميادين. وفي هذه الأثناء، ستعقد جلساتٌ كثيرةٌ وطويلةٌ للتباحث والتوافق بين تلك الأطراف، مستخدمةً أوراق الضغط التي بحوزتها، لكن سيبقى السوريون يكافحون لنيل حريتهم.