أساليب التدفئة البديلة في الشمال السوري.. مخاطر وأضرار صحية

سوق لبيع الحطب في مدينة بنش في ريف ادلب - بعدسة الكاتب

وكأن المعاناة الناتجة عن القصف المتواصل لمنطقة إدلب من قبل قوات النظام والطيران الروسي لم تعد تكفي سكانها، فجاء الارتفاع الشديد في سعر المحروقات ليزيدها حدة. فشتاء إدلب قارس والعمليات العسكرية في شرق الفرات عرقلت كثيراً نقل المحروقات إليها، فارتفعت أسعار مواد التدفئة الأساسية بشكل كبير ما دفع سكان المناطق المحررة من قبضة النظام إلى البحث عن بدائل يفتقد معظمها إلى أدنى معايير السلامة.

لا يزال الحطب من وسائل التدفئة الأكثر شيوعاً في إدلب وريفها، ولكن كثرة الطلب عليه ساهم في غلاء أسعاره. سامر الشيخ أحمد يستخدم الحطب، وعن ذلك يقول: "ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﺍﻟﻤﺎﺯﻭﺕ ﺣﻼً ﻟﻠﺘﺪﻓﺌﺔ ﻓﻲ ﺇﺩﻟﺐ لندرته وغلاء أسعاره، لذلك نعتمد على ﺍﻟﺤﻄﺐ. لكننا مجبرون على استخدام الورق وأكياس النايلون لإشعاله في المدفأة فينبعث الدخان في المنزل، كما تتعرض أنابيب المدفأة للإنسداد ﻓﻲ ﻣﻌﻈﻢ ﺍﻷﺣﻴﺎﻥ ما يستوجب ﺗﻨﻈﻴﻔﻬﺎ ﻣﺮﺓ في الشهر ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻗﻞ".

ويتابع "ﺗﺰﺍﻣنت حاجة الناس ﻟﺒﺪﻳﻞٍ ﻋﻦ ﺍﻟﻮﻗﻮﺩ التقليدي ﻣﻊ ﺍﺳﺘفادة بعض ﺍﻟﻤﻨﺎﻃﻖ من ﻤﻮﺳﻢ ﺍﻟﻔﺴﺘﻖ ﺍﻟﺤﻠﺒﻲ لإنتاج ﻣﺪﻓﺄﺓ ﺧﺎﺻﺔ ﺗستخدم قشوره الصلبة وقودا. ﻭﺗﺘﻤﻴﺰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟقشور ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﺼﺪﺭ ﺭﺍﺋﺤﺔ ﻛﺮﻳﻬﺔ لدى احتراقها ﻋﻠﻰ ﻋﻜﺲ ﻣﻌﻈﻢ ﺑﻘﻴﺔ ﺍﻟﻤﻮﺍﺩ، لكن سعرها يبقى غالياً نسبياً ويقتصر استخدامها على الميسورين، حيث يبلغ ﺳﻌﺮ ﺍﻟﻄﻦ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﻣﻦ ﻗﺸﺮ ﺍﻟﻔﺴﺘﻖ حوالي 175 ﺩﻭﻻراً، أما ﺍﻟﻤﺪﻓﺄﺓ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻪ فيبلغ ﺳﻌﺮﻫﺎ 100 ﺩﻭﻻﺭ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻗﻞ".

الكثير من الأهالي يستخدمون ﺍﻟﻔﺤﻢ ﺍﻟﺤﺠﺮﻱ للتدفئة رغم أضراره الصحية. أبو حسن يبيع الفحم الحجري في بلدة خان السبل بريف إدلب، تحدث لعين المدينة قائلاً: "الفحم ﺛﻼﺛﺔ ﺃنواع ﺑﺤﺴﺐ ﺟﻮﺩﺗﻪ، ﻓﺎﻷﺑﻴﺾ ﻫﻮ ﺃﺭﺩﺃ ﺍﻷﻧﻮﺍﻉ، ﻭﺃﻓﻀﻠﻬﺎ ﻫﻮ ﺍﻷﺯﺭﻕ ﻭﻳﺘﻮﺳﻄﻬﻤﺎ ﺍﻷﺣﻤﺮ، وﻛﻞ ﻧﻮﻋﻴﺔ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻓﻲ ﺳﻌﺮﻫﺎ ﻋﻦ ﺍﻷﺧﺮﻯ". فاطمة من معرة النعمان تستخدم الفحم للتدفئة باعتباره أقل تكلفة من وسائل التدفئة الأخرى، وعن ذلك تقول: "ﺍﻟﻔﺤﻢ ﺟﻴﺪ ﻛﻤﺎﺩﺓ ﻟﻠﺘﺪﻓﺌﺔ، ﻭﻟﻜﻨﻪ ﻳﻬﺪﺩ ﺑﺘﺤﻮﻳﻞ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺣﻮﻟﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻮﻥ ﺍﻷﺳﻮﺩ ﻭﻳﺼﺪﺭ ﺭﺍﺋﺤﺔ ﻛﺮﻳﻬﺔ ﻟﺪﺭﺟﺔ ﺃﻥ ﺃﻃﻔﺎﻟﻲ يمرضون بشكل مستمر، أما ولدي الأصغر فقد أصيب بمرض الربو التحسسي”.

كذلك يلجأ البعض للتدفئة بالبيرين، وهو ﻣﺨﻠﻔﺎﺕ ﺍﻟﺰﻳﺘﻮﻥ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻨﺘﺞ ﻋﻦ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﻌﺼﺮ ﻭﺍﺳﺘﺨﺮﺍﺝ ﺍﻟﺰﻳﺖ، ويباع على شكل قوالب خاصة أسطوانية الشكل بعد ضغطها. ﺣﻮﻝ ﺫﻟﻚ ﻳﻘﻮﻝ ﺃﺑﻮ ﻭﺍﺋﻞ من مدينة إدلب: "أﺳﺘﺨﺪﻡ ﺍﻟﺒﻴﺮﻳﻦ لأنه يمنح ﺩﻓﺌﺎً ﺃﻛﺜﺮ ﻤﻘﺎﺭﻧﺔ بالحطب، ويبلغ سعر ﺍﻟﻄﻦ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﻣنه حوالي 80 ﺃﻟﻒ ﻟﻴﺮﺓ ﺳﻮﺭﻳﺔ، وأنا أشتريه ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﺼﺮﺓ ﺟﺎﻫﺰﺍً ﻭﻣﺠﻔﻔﺎً".

وفي مخيمات النازحين الحدودية يأتي ﺍﻟﺒﺮﺩ والفقر ليزيدا من ﻣﻌﺎﻧﺎة سكانها. عائشة الكردي نزحت من بلدة الهبيط إلى مخيم الكرامة بريف إدلب الشمالي، وهي أرملة ومعيلة لعائلة ﻣﻜﻮﻧﺔ ﻣﻦ سبعة ﺃﺷﺨﺎﺹ. تقول: "ﺃﺳﺘﻌﻤﻞ ﺍﻟﺜﻴﺎﺏ ﺍﻟﻘﺪﻳﻤﺔ وقودا للمدفأة، حيث ﺃﺫﻫﺐ إلى محلات ﺍﻟﺒﺎﻟﺔ وأشتري ﺑﻮﺍﻗﻲ ﺍﻟﺜﻴﺎﺏ ﺍﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﻳﺘﻤﻜﻦ ﺍﻟﺒﺎﺋﻊ ﻣﻦ ﺑﻴﻌﻬﺎ وأدفع ألف ليرة سورية ثمناً لكل كيس يكفيني لبضعة أيام".

الخمسيني أبو علاء نازح من بلدة كفرومة إلى مخيم بنش يرسل أحفاده لجمع الأشواك والعيدان وأكياس النايلون، وكل ما هو قابل للاحتراق لوضعه في المدفأة. وعن ذلك يقول: "نعاني ﻣﻦ ﻧﻘﺺ في ﻣﻮﺍﺩ ﺍﻟﺘﺪﻓﺌﺔ ولا نحصل ﻋﻠﻰ ﺃﻱ ﺩﻋﻢ ﻟﻤواجهة ﺍﻟﻮﺿﻊ ﺍﻟﺤﺎﻟﻲ رغم وضعنا المأساوي، حيث أن ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺨﻴﺎﻡ ﺗﻬﺪﻣﺖ، ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﺃﻥ مياه الأمطار تتسرب الى الكثير من الخيم".

عن المخاطر على الصحة الناجمة عن استخدام وقود تدفئة غير آمن، يقول ﺍﻟﻄﺒﻴﺐ محمد العبسي لعين المدينة: "تنتشر في إدلب ﺣﺎﻻﺕ حرﻭﻕ ﻧﺎﺟﻤﺔ ﻋﻦ ﺳﻮﺀ ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﻭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﺘﺪﻓﺌﺔ، ﺧﺎﺻﺔ ﺃﺛﻨﺎﺀ ﺑﺪﺍﻳﺔ ﺍﻻﺷﺘﻌﺎﻝ”، ﻣﺒﻴﻨﺎً ﺃﻥ "ﻣﻌﻈﻢ ﺍﻟﺤﺎﻻﺕ ﺍﻟﻮﺍﺭﺩﺓ ﺍﻟﻰ المستشفيات ﺗﻨﺠﻢ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﺤﺮﻭﻗﺎﺕ ﺑﺄﻧﻮﺍﻋﻬﺎ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﻣﺪﺍﻓﺊ ﺍﻟﺤﻄﺐ، وفي ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺤﺎﻻﺕ يتم نقل المصابين بحالة الخطر إلى تركيا لتعذر معالجتهم هنا". ﻭﺃﺿﺎﻑ: "ﺍﻟﻀﺮﺭ في ﻭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﺘﺪﻓﺌﺔ لا ينحصر ﺑﺨﻄﺮ ﺍﺷﺘﻌﺎﻟﻬﺎ ﻓﻘﻂ، ﺑﻞ ﻳﺘﻌﺪﺍه إلى الإصابة بأمراض صدرية نتيجة ﺍﻟﺮﻭﺍﺋﺢ ﻭﺍﻷﺩﺧﻨﺔ ﺍﻟﻤﻨﺒﻌﺜﺔ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻮﺍﺩ، ﻓﻤﺜﻼً يلاحظ أن بعض أنواع ﺍﻟﻮﻗﻮﺩ ﺍﻟﻤﺴﺘﻌﻤﻞ ﻳﻄﻠﻖ ﺭﺍﺋﺤﺔ ﻛﺮﻳﻬﺔ ﺗﺴﺒﺐ ﺣﺴﺎﺳﻴﺔ ﻟﺪﻯ ﺑﻌﺾ ﺍﻷﺷﺨﺎﺹ ﻭﺨﺎﺻﺔ ﻣﻦ ﻳﻌﺎﻧﻮﻥ ﻣﻦ ﺣﺴﺎﺳﻴﺔ ﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﺮﻭﺍﺋﺢ".

ويبين العبسي "أن ﺃﻓﻀﻞ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﺘﺪﻓﺌﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﺍﻻﺣﺘﺮﺍﻕ ﻫﻮ ﻭﻗﻮﺩ ﺍﻟﺤﻄﺐ، ﻭﺃﻓﻀﻠﻪ ﺣﻄﺐ ﺷﺠﺮ ﺍﻟﺰﻳﺘﻮﻥ ﻷﻧﻪ ﻳﺤﺘﺮﻕ ﺑﺸﻜﻞٍ ﻛﺎﻣﻞ، أما ﺍﻷﻗﻞ ﺟﻮﺩﺓ فهو ﺍﻟﻔﺤﻢ ﻭﺍﻟﺒﻴﺮﻳﻦ ﻭﺍﻟﻔﻀﻼﺕ ﺍﻟﺒﻼﺳﺘﻴﻜﻴﺔ التي تتسبب بانبعاث ﻏﺎﺯ ﺃﻭﻝ ﺃﻭﻛﺴﻴﺪ ﺍﻟﻜﺮﺑﻮﻥ، ﻭﻫﻮ ﻳﺴﺮﻉ ﺍﻻﺧﺘﻨﺎﻕ ﻭﺧﺎﺻﺔ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻤﺴﻨﻴﻦ ﻭﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻷﻣﺮﺍﺽ التنفسية".

ونتيجة الظروف التي فرضتها وقائع الحرب بات من شبه المستحيل الحصول في منطقة إدلب على محروقات التدفئة الأساسية مثل المازوت الذي وصل سعر البرميل منه إلى ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ 150 ﺩﻭﻻﺭﺍً، لذلك ﺗﻨﻮﻋﺖ ﺧﻴﺎﺭﺍﺕ ﻗﺎﻃﻨﻲ ﺍﻟﺸﻤﺎﻝ ﺍﻟﺴﻮﺭﻱ ﻣﻊ ﻗﺪﻭﻡ ﻣﻮﺳﻢ ﺍﻟﺸﺘﺎﺀ ﺑﻤﺎ ﻳﺨﺺ ﻭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﺘﺪﻓﺌﺔ، فكل عائلة ﺍﺿﻄﺮت ﻹﻳﺠﺎﺩ البديل المتوفر بالسعر الذي يتناسب مع قدراتها المادية

مدفأة الفستق - بعدسة الكاتب