«هارميغدون» دير الزور القادمة وقيامة المفارقات المتضاربة

لاتكاد دير الزور تلتقط أنفاسها من حرب حتى تدخل سريعاً في أخرى، إذ يبدو ألّا حرب ناجزة في هذه الجغرافيا منذ سبع سنوات، نظراً لطبيعة الأهداف المتآكلة والمتبدلة سريعاً لأطراف القتال.

 ومع أنّ المفارقة التي صحا عليها سكان المحافظة الشاسعة، وهي أنهم يعيشون في منطقة استراتيجية، ماتزال تعمل على تقليب مظاهر النفوذ الميداني، خصوصاً بعد أنْ اجتاحها تنظيم داعش في عام 2014، وبعد أن بات الحديث علنياً وصارخاً عن الممر البرّي الإيراني إلى البحر المتوسط؛ وهو الاسم المزيف لمشروع هيمنة طائفي يعتمد على ربط أفرع الحرس الثوري الإيراني الإرهابية في العراق وسوريا ولبنان بالمركز، عبر خط تموين وإمداد عسكري آمن تمثّل دير الزور عقدة رئيسية فيه، فإنّ هذه المفارقة التي كانت متوارية تماماً إبّان سيطرة الجيش الحر على غالبية المحافظة، تُقدّم تفسيراً لقصر النظر الاستراتيجي الذي تحكّم بمصير المحافظة والمدينة لسنوات طويلة من الحصارات والمذابح والخذلان، الذي قاد إلى الوضع الراهن بتعقيده وسيولته المفرطة.

ثمة مفارقة أخرى تضاف الآن إلى هذا الواقع المربك، وهي أنّ قطع الممر الإرهابي إيّاه سيؤدي حتماً إلى نشوب مواجهة عسكرية، ستكون «إسرائيل» أحد أطرافها بل وربما اللاعب الرئيسي فيها، وسيكون لدير الزور موقع «استراتيجي» أيضاً في هذه الفوضى الدامية.

على الارض مازال لداعش حضور تهديدي واضح على جانبي الفرات، وهي تحاول إعادة السيطرة على مساحات أخرى بالفعل، وإن كانت قواها الخائرة لا تؤهلها إلّا لأعمال الكرّ والفرّ. وفيما تلوح استعدادات واضحة من التحالف الدولي لاستئناف المعركة ضد داعش، فإنّ معسكر النظام وحلفائه الإيرانيون والروس يبدون منشغلين باقتطاع ما يمكن اقتطاعه من مناطق سيطرة «قسد»، لفرض واقع جيوستراتيجي جديد يُعقّد مهمة الغرب في قطع ممر الهيمنة.

الواقع أنّه في عمق هذه المفارقة وتلك فإنّ بعداً دينياً – طائفياً يتربص بما يُطلق عليها الاستراتيجيا، فالممر الإرهابي هو في جوهره «تكليف شرعي قيامي» يستهدف التأسيس لمعركة نهاية التاريخ حول دمشق، وهذا لا يُنتج سوى مفارقة مقابلة تُحيل «إسرائيل» والغرب إلى مايشبه نسخة مُصغرة من «هارميغدون» ضد إيران وداعش، وهي عندهم معركة لنهاية التاريخ، لكنّه في دير الزور قد يكون مجرد يوم معركة تكتب بداية تاريخ قلق آخر.