الأرض تدق ناقوس الخطر..
تجار وفصائل مسلحة يستنزفون الثروة الحراجية في المناطق المحررة

ريف حلب - عدسة أحمد عزيزة - خاص

دخل الشتاء شهره الأول، في الوقت الذي عجزت فيه معظم العائلات السورية عن توفير وسيلة للتدفئة، وفي ظل الغلاء الهائل للمحروقات وتجاهل المنظمات الإنسانية، حيث بات قدوم الشتاء كابوساً على العائلات المتواجدة في مناطق المعارضة، وفراشاً وثيراً للتجار وبعض الفصائل المسلحة، التي تقوم بقطع الأشجار الحراجية، وبيعها بأسعار باهظة تعدت حاجز الـ 85000 ليرة سورية للطن الواحد.

تعاني الغابات والمناطق الحراجية المنشرة في محافظة إدلب، وريف حماة الشمالي وحلب الغربي، من عمليات التحطيب الجائر التي نشطت خلال السنوات الأخيرة، ما يضر بالحياة الفطرية، ويؤدي خلال سنوات قليلة إلى تحول هذه المناطق المشجرة إلى مناطق شبه صحراوية، بعد أن كانت تحتوي محافظة إدلب وحدها على 82211 هكتاراً من الأشجار الحراجية كالسرو والصنوبر والبلوط، بحسب إحصائية وزارة الزراعة عام 2012. وقال المهندس الزراعي عمر الراعي المختص بوقاية النبات: «إن قطع هذه الأشجار سيؤدي إلى مشاكل كبيرة في مجال المناخ والطبيعة والتربة؛ ففي مجال المناخ تجلب الغابات الأمطار إلى أماكن وجودها، وقطع الأشجار سيؤدي إلى تحول هذه المناطق من مناطق استقرار مرتفعة إلى مناطق استقرار منخفضة. أما في مجال البيئة، فللأشجار دورها الكبير في امتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون وطرح غاز الأكسجين، ويمثل وجودها عاملاً مهماً في تصفية وتنقية البيئة التي نعيش فيها. أما في مجال التربة، فإن قطع الأشجار سيؤدي إلى انجراف هذه الترب. سابقاً كنا نزرعها في المنحدرات، لأن جذورها تؤدي إلى حماية هذه الترب وتماسك جزيئاتها».

ومن خلال تتبعنا لظاهرة التحطيب الجائر، في المنطقة الواقعة ما بين طريق مفرق قورقانيا رأس الحصن وصولاً إلى دوار حارم، رأينا في بداية الطريق عشرات من الأشخاص يقومون بقطع أشجار الحرش بواسطة مناشير كهربائية، وتحميل الحطب على دراجاتهم النارية، جميعهم كانوا يحملون الأسلحة الفردية. في منتصف الطريق هناك أكثر من عشرة سيارات بيك آب دفع رباعي قديمة، وأشخاص ملثمون يقطعون الأشجار الكبيرة ويحملونها في سيارات البيك آب، بالإضافة إلى سيارات شاحنة كبيرة وفانات منتشرة على الطريق العام، دون رقابة أو خوف من أحد.

تواصنا مع السيد رامز سيد بكور عضو المجلس المدني لمدينة حارم، الذي أكد لنا: «أن المجلس يقوم بإرسال دوريات لحماية الأشجار في المنطقة من التجار وبعض العصابات، وأن المجلس دعا في الأسبوع الماضي جميع الفصائل العسكرية إلى اجتماع، وتم الاتفاق معها على محاسبة قاطعي الأشجار للحد من هذه الظاهرة»؛ وتمنى رامز «أن لا ينتشر هذا القطع الجائر للأشجار، ولكن للأسف الشديد الفقر والواقع الذي وصلت له البلاد ساهم في انتشار هذه الظاهرة؛ ومهما حاولنا إيقاف المواطن عن قطع الأشجار سنقف عاجزين، لأننا نرى أن تدفئة أولاده حق له، ولا نستطيع تأمين البدائل، والمنظمات لا توزع المحروقات للمواطن، فيتجه نحو قطع الأشجار الحراجية».

وعند حديثنا مع الدكتور فايز خليف، مدير عام الزراعة في المناطق المحررة، قال لـ عين المدينة: «لدينا في المديرية، وبسبب الظروف وقلة الإمكانات، مواضيع تحتل سلم الأولويات في المرحلة الحالية، على الرغم من أهمية موضوع التحطيب الجائر، لكن العمل على بناء الثقة بين المزارع والوحدة الإرشادية أو الدائرة الزراعية له الأولية، فعمل المنظمات العشوائي وغير المنظم، وغياب مؤسسة الزراعة لفترة من الفترات، وعدم تقديم الدعم اللازم للمشاريع الزراعية، دفع الناس إلى العمل مع هذه المنظمات، بالإضافة لتأمين مادة الطحين أو رغيف الخبز، فهي تقع على عاتق مؤسسة الزراعة، بحيث نعمل على حملات توعية وإرشاد لزراعة القمح وإعادته كمحصول استراتيجي، فهو أهم حتى من السلاح، وذلك نتيجة تراجع المساحات المزروعة بهذه المادة، أمام النباتات العطرية والطبية، التي تعتبر فائدتها الاقتصادية أكبر».

وعزا مدير الزراعة سبب التعدي على الغابات إلى الحالة المادية السيئة التي يعيشها أهالي المنطقة، وغلاء المحروقات وغياب الوعي عند أغلب الناس، وغياب الرقابة على الأشجار الحرجية والمحميات !؟؟

واقتصر دور مديرية الزراعة، على «إعلانات وزعتها على المجالس المحلية» للتوعية بمخاطر التحطيب الجائر، وأهمية الأشجار في حياتنا و«توجيه خطباء المساجد» للتعريف بفوائد ومخاطر هذه الظاهرة من خلال الأحاديث النبوية التي تدعو للحفاظ على الأشجار وتجنب قطعها، وإن تمت عملية القطع، فهي تحتاج إلى: «طرق منظمة، وهذا ما يستدعي زراعة أشجار حراجية جديدة عند كل قطع»، بحسب الدكتور فايز.

ريف حلب - عدسة أحمد عزيزة - خاص

وتفوق أعداد الأشجار المقطوعة ما يتم زراعته بشكل كبير، وهذا ما سيحوّل تلك المناطق إلى مناطق صحراوية أو شبه جافة، خلال فترة قصيرة، نتيجة هذه العمليات؛ ولم تسلم من عمليات التحطيب الجائر حتى الأشجار المثمرة وخاصة شجر الزيتون، الذي يتم قطعه بكثرة دون وجود أي جهة رقابية، مع العلم أن الأراضي المزروعة بشجر الزيتون تعتبر محمية ولا يجوز لمالكها قطعها؛ وبحسب المهندس الزراعي عمر الراعي: «أغلب الناس تدعي أنها تقطع من أراضيها، وأنها تقوم بعمليات تقليم لهذه الأشجار، ولكن الواقع مختلف تماماً، خاصة مع غياب الجهات الرسمية التي تُعنى بالتشجير الجديد، أو إيقاف قطع الأشجار الموجودة»، ويرى الراعي في التحطيب الجائر «موضوعاً استراتيجياً من حيث البيئة، ولا يجب النظر إلى الموضوع بشكل مادي، فنحن لا نزرع الأشجار لقطعها، والاستفادة من خشبها»، وشكا المهندس عمر: «عدم وجود آذان تصغي لقضية الأشجار، على الرغم من طرحها كثيراً في كل الأماكن والمحافل».

المحامي يوسف حسين، من نقابة محاميي حلب الأحرار، وأحد سكان مدينة حارم، قال لنا: «للمواطن الحق أن يستخدم الحطب للتدفئة على أن يقطعه من بستانه، لا من خلال سرقة الأملاك العامة»، وأضاف المحامي الذي يسكن في بيت يطل على حرش حارم: «في كل سنة تتكرر هذه المأساة أمامي، وتزيد من استنزاف مساحات الغابات؛ عشرات من الأشخاص المسلحين والتجار وبعض العسكريين يقومون بهذا الفعل بشكل يومي أمام أعين الجميع، وكل دورية تحاول إيقافهم يقاومونها بالسلاح؛ هم مجموعة من اللصوص سواء أكانوا مدنيين أم عسكريين، فهم المشكلة الأكبر، وقد نستطيع إيجاد العذر لمن يقطع شجرة ليدفئ صغاره فقطع شجرة لا يعادل قطع غابة»، ويشكو محمد رضوان من سكان دارة عزة، التي كانت سابقاً تشتهر بأحراش البلوط، وبدأت تفرغ من أشجارها، ومن أن «غالبية الناس تتعدى على الغابات وتحتطب لتأمين وقودها، دون أية مسؤولية أو وعي».

أمّا أبو علي، أحد عمال مناشر الحطب النازحين من مدينة دير الزور، فقد قال: «الكثير من الناس أصحاب الدراجات النارية، لجأت إلى التحطيب لكسب لقمة عيشها»، حيث يصل سعر الطن الواحد من حطب السرو إلى 65000 ألف ليرة سورية، بينما يتجاوز سعر حطب البلوط وأحراج جبل التركمان الـ 85000 ليرة، وتتراوح كمية الحطب التي يحملها صاحب الدراجة النارية من 200 إلى 250 كيلو غرام يومياً، على حد قول غازي المحيميد، أحد المحتطبين المهجرين من مدينة حلب، الذي أضاف بأن: «أصحاب الموتورات يقصون بعضاً من الأغصان الصغيرة»، التي يطلق عليها بعرف أصحاب هذه المهنة «العروش»، يبيعون نصفها لشراء لوازمهم، ويحملون النصف الآخر إلى منازلهم من أجل عملية الطبخ والتدفئة. يجمع غازي وأمثاله: «ما تبقي عليه الفصائل المسلحة بعد قصها للشجرة وتعريتها من أغصانها، دون محاسبة من أحد، فهم يريدون منّا ذلك من أجل نظافة الطريق»، على حد قوله.

تبيع الفصائل المشاركة في عملية التحطيب الجائر أطنان الحطب للتجار: «بسعر يترواح بين 40 و45 ألف ليرة، بحسب نوع الأشجار الحراجية، ليبيعه التاجر بعد ذلك بضعف هذا المبلغ، وتعمل على توظيف بعض الأهالي لقطع هذه الأشجار كعمال مياومة بمبلغ 2500 ليرة  سورية»، بحسب أحمد الصالح أحد العمال عند هذه الفصائل، الذي قال: «إن الأشجار التي يقصونها هي من الأملاك العامة الموجودة على الطرق الرئيسية كطريق حلب دمشق والأحراش كحارم وغابات جبل التركمان»، وانتقد الصالح عمل الجهات الحكومية والتنفيذية، كمديرية الزراعة، والمجالس المحلية والشرطة: «فأن تقص غصناً من شجرة فهذا حرام وعرضة للمساءلة، أمّا أن تقص الشجرة من جذورها فهذا حلال».

يوضح أحد أعضاء المجالس المحلية في الريف الغربي، رفض ذكر اسمه: «أن 1200 عائلة نازحة تسكن في قريته، دون أي وسيلة للطبخ أو التدفئة، فكيف سيتدبرون أمورهم، في ظل انعدام فرص العمل، وغياب الدعم، والظروف السيئة»، «سيستمرون في قطع الأشجار لتأمين وقودهم على الرغم من دوريات الشرطة».

وكانت مؤسسة إكثار البذار قد أطلقت حملة تطوعية قامت من خلالها بزراعة عدد من الأشجار الحراجية في محاولة منها لتغطية النقص الحاصل من عمليات التحطيب، وقال أحمد شحادة رئيس مكتب الزراعة في مجلس محافظة حلب الحرة: «إن المحافظة قامت برفع عدة مشاريع، من أجل إقامة مشاتل للأشجار لتغطية النقص، إلى وحدة تنسيق الدعم ACu وإلى الآن لم تتم الاستجابة لها».