عناصر النظام يتابعون التمدُّد في حي دمر الدمشقي

مشروع دمر، دمشق في أيار 2020 (عدسة شاب دمشقي)

على مدار عقد من الزمن، تمكن النظام السوري من تنفيذ خطة تغيير ديمغرافي موسعة هجرت قرابة 80 بالمائة من السكان الأصليين من حي دمر الدمشقي، وقادت إلى نشوء مستعمرات لمجموعات موالية للنظام في الحي ومساحاته الزراعية الواسعة.

وتقول مصادر مطلعة لـ"عين المدينة" إن جميع أراضي المعتقلين والمهجرين تم غصبها بالقوة من قبل شبيحة النظام، كما تبلغ النسبة التقريبية للعقارات والأراضي التي تم الاستيلاء عليها دون التلاعب بملكيتها قرابة 70 بالمائة من المساحة العقارية، فيما كانت عقارات وأراض بما نسبته 15 بالمائة مسجلة بأسماء أصحابها على الشيوع لكنها سلبت بالقوة وتم البناء عليها، وتزوير ملكية عدد كبير من الأسهم فيها، إضافة إلى بيع قسم كبير منها.

خطة قديمة - جديدة

خطة الاستيلاء على حي دمر الذي يقع في الشمال الغربي لمحافظة دمشق ويرتكز على السفح الغربي لجبل قاسيون، كجزء من مشروع "الشام الجديدة" بدأت مع تمكن حافظ الأسد من السلطة، إذ تم الاستيلاء على مساحات كبيرة من أملاك أهالي دمر، يقول سكان إنها تقدر بـ40 بالمائة من مساحة ممتلكاتهم، وإقامة عدة مقرات أمنية منها قيادة الحرس الجمهوري وقصر الشعب، ومقرات لسرايا الدفاع (الفرقة الرابعة لاحقاً) إضافة إلى أبنية مخصصة لعائلات ضباط الأسد.

بعد الثورة نحت الأمور منحى آخر، فقد شرع النظام بالتوسع نحو مناطق جديدة من الحي، وقضم جميع الأراضي البعل وحصر ملكية الأهالي بالأراضي الزراعية المروية والبلدة القديمة، وقد تم الاستيلاء على هذه المناطق بالقوة وإراقة دماء الأبرياء.

يقول أحد أهالي الحي لـ"عين المدينة"، إن النظام لجأ خلال الأعوام الأولى من الثورة إلى اعتقال شبان الحي بقصد التصفية، ثم احتلال عقاراتهم وعقارات ذويهم بالقوة.

ويتابع بأن حملة الاعتقالات التي شنها الفرع (215) سيء السمعة، طالت قرابة 1500 شخص قضى معظمهم تحت التعذيب، واضطر الخوف -والحفاظ على من تبقى من أبناء- معظم الأهالي إلى الهرب من الحي إلى خارج سوريا.

يوضح المصدر الأهلي ما يمكن تسميته المرحلة الأولى من خطة التغيير الديمغرافي، والتي  بدأت باستيلاء النظام على أملاك المعتقلين: "قام الشبيحة بخلع أبواب المنازل والإقامة داخلها، وتم الحجز على أملاكي كاملة وأملاك أهلي لأنني معتقل سابق ومعارض للنظام".

مع الوقت قاد إرهاب النظام واستعماله البطش والتعذيب تجاه شبان الحي إلى نزوح قرابة 80 بالمائة من سكان دمر الأصليين، كما يقدر المصدر، بعد تهديد معظم العائلات باعتقال أبنائهم في حال لم يغادروا المنطقة، عدا عن عوائل المقاتلين والمطلوبين التي غادرت الحي خوفاً من الاعتقال.

تزوير وسلب علني

لم يكتف النظام بغصب الأملاك وإقامة أبنية عليها تم منحها لمواليه، بل لجأ كخطوة ثانية إلى عمليات تغيير الملكية من خلال تزويرها أو نقل الملكية بالقوة.

يقول مصدر أهلي لـ"عين المدينة"، إن إحدى المسنات من أبناء الحي تعرضت للضغط من قبل قوات الأسد بهدف تبصيمها على ورقة تنازل عن أملاكها، ثم تم الاستيلاء على جميع ممتلكاتها.

ويشرح مصدر مطلع من أبناء الحي أن "عناصر الأسد استغلوا فرصة كون ملكية أغلب العقارات على الشيوع لبيعها بعد تشييد بناء على جزء منها وتزوير ملكيته ثم بيعها على الشيوع".

لم يوفر النظام السوري أية وسيلة لتجريد سكان دمر من أملاكهم، فقد لجأ كخطوة ثالثة إلى المتاجرة بالمعتقلين عبر الضغط على أهاليهم  بحجة إخراج أولادهم للتنازل عن بعض الممتلكات، لكن الأهالي اكتشفوا أن هذه الوسيلة كانت خدعة كبيرة لسلب الممتلكات، لأن النظام كان يعتقل الشبان بهدف التصفية.

تتم عملية تزوير الملكيات بالتعاون مع كاتب عدل والحصول على وكالة عامة مزورة، وبحسب مصادر مطلعة تحدثت لـ"عين المدينة" فإن عدد العقارات التي خضعت لعمليات نقل الملكية عبر التزوير لا تقل عن 60 حالة حتى الآن، عدا عن الاستيلاء على أملاك جميع المطلوبين والمهجرين والمعتقلين.

وبحسب المصادر، وقعت حالات التزوير في أحياء دمر البلد والشرقية والغربية وحارة الرناكسة ووداي السيل وجبال دمر.

ما مصير هذه الممتلكات؟

يمكن لسكان حي دمر استعادة ملكياتهم المسلوبة في حال تغير الواقع السياسي في سوريا، بحسب "غزوان قرنفل" مديرتجمع المحامين السوريين الأحرار“.

ويوضح قرنفل لـ"عين المدينة" أنه إذا استطاع صاحب الحق إثبات واقعة الإكراه على البيع، وكان العقار ما يزال جارياً في ملكية الشخص الذي أجبر المالك القديم على التنازل عنه، فيمكن فسخ ملكية المالك الجديد وإعادة تسجيله باسم صاحبه القديم.

ويتابع: "أما إذا كانت الملكية قد انتقلت إلى مشترٍ ثالث حسن النية، فلا يمكن رد العقار، لكن يحكم البائع بتعويض يعادل قيمة العقار وفق الأسعار الرائجة وقت الحكم".

وبما يتعلق بالتزوير يضيف قرنفل: "يمكن لصاحب العقار الذي فقد ملكيته بالتزوير إقامة دعوى فسخ تسجيل، بالإضافة إلى دعوى التزوير، فإن استطاع إثبات التزوير تفسخ الملكية الجديدة ويُعاد تسجيله باسم صاحبه الأصلي المدعي، أما لو كان هناك مشترٍ حسن النية اشترى ممن زوّر ولاعلم له بذلك، فلا يسري بحقه الفسخ ويبقى مالكاً للعقار".

لذلك ينصح نشطاء من أبناء الحي بعدم شراء ممتلكات من حي دمر عن طريق وكالات وعقود مزورة، ويقولون إن كل من يشتري ضمن هذه المناطق يعرّض نفسه لعملية نصب واحتيال، إلا في حال وجد أصحاب الممتلكات الأصليين.