جحيم إدلب الزاحف .. المدنيون على جدار الإعدام

تزحف المقتلة مجدداً في سوريا، لتنشر صور المدن الخاوية والمدمرة، وأجساد المدنيين الممزقة، وطوابير هائلة من النازحين، يقصدون جغرافيا الأمان التي تضيق بهم مرة بعد مرة، فيما تطاردهم مذبحة لم تتوقف منذ أطلق بشار سعار الموت المعمم في سوريا، لإنقاذ طغيانه السلالي من رعب الحرية، الذي لا يواجه الطغاة الإرهابيون تهديداً يوازيه وجودياً.

وبينما تتحدث أرقام الأمم المتحدة عن 700 ألف نازح؛ في ما تعتبرها "أسوأ" موجة نزوح منفردة منذ 2011، فإنّ الرقم سيتضاعف حتماً إلى أربعة أمثاله إن واصل القصف البساطي الروسي -المنفلت عن كل قيمة إنسانية- تمهيد الطرق لزحف مليشيات القتلة والمرتزقة الإرهابيين في إدلب وريف حلب على أنقاض المدن والحياة.

لا يعبأ الأسد بحجم خسائره، ولا يرى ضحاياه إلاّ جثثاً تقطع طريقه نحو "أبدية" موهومة، ورثها عن أوهام أبيه البتراء، التي تركت سوريا خارج الزمان السياسي والاقتصادي العالمي. ولا يرى جلاوزته سوى آفاق محملة بتوقعات التعفيش، ومدنيين يتاجرون باعتقالهم وتعذيبهم، وحين لم يجدوهم نبشوا قبور موتاهم، واحتفلوا بانتصار سادي مقزّز على رميم أحبتهم، بل ونشروا "مفاخرهم" متحدين كل ما عرفته البشرية عن أي معنى للأخلاق أو حتى لسوء الأخلاق.

تتجاوز مأساة إدلب صيغة المجازر المعتادة في سوريا، فباتت تعتمد على حشر المدنيين بين الموت المحقق بالبراميل وبين النزوح نحو نهايات مجهولة، ونحو اكتظاظ خانق يبدو أشبه بدفع ثلاثة ملايين إنسان نحو جدار إعدام في موجهة فرقة قتلة لا تقيم وزناً لأي قانون.

هناك من يمتهن المقاومة بالحياة -واليأس أحياناً- في مواجهة خذلان دولي بات اعتياداً إزاء المقتلة السورية. وستجدون في هذا العدد من "عين المدينة" بعض هوامش هذا الواقع المرير في إدلب، وأيضاً بعض وجوه أثره العميق في حياة الناس.

ومع أن الحديث عن ملايين النازحين، فإن لكل واحد منهم تجربته الذاتية. وبينما ينخرط الكبار في استخدام العمل حتى على خطوط الجبهات للنسيان، فإن الأطفال يلوذون بألعابهم، ما لم تكن قوة عملهم هي الحد الفارق بين جوع وشبع ذويهم. لكن هذا ليس خياراً أحادياً ونهائياً، إذ ثمة ما يجعل المقاومة ضرورة للتشبث بالحياة، من أجل فرصة ستحين يوماً -وحتماً- لإعادة جدولة الحساب، ومحاسبة المجرمين، وإحياء أنقاض المدن السوري، وإطفاء الجحيم بالحرية.