هويات القتَلة في فيديو التوحش الروسي .. الصحف الروسية المعارضة تكشف هويات مشاركين في فيديوهات التوحش الروسية في سوريا

يقدم موقع "ميروتفوريتس" الأوكراني فيديوهات التوحش والعار الروسية بالكلمات التالية: "لفهم روسيا، نحتاج إلى مشاهدة أشرطة الفيديو هذه.. يجب على الجميع مشاهدتها، بما في ذلك الأطفال والنساء وكبار السن. يجب أن تعرض في المدارس، في فصول التاريخ، وعبر شاشات التلفزيون. يجب أن تبدأ الإصدارات الإخبارية بمقاطع الفيديو هذه".

مساء 30 حزيران 2017، ظهر شريط فيديو مخيف على شبكة الإنترنت، قامت فيه مجموعة من الأشخاص المسلحين، الذين يرتدون ملابس عسكرية متنوعة ووجوههم مغطاة، بضرب وتعذيب رجل مدني بوحشية مفرطة، حيث يلحق أحدهم ضربات على أطراف الضحية وجسمه بمطرقة حديدية، ورفاقه يركلونها ويدفعونها ويدوسنها ساخرين. وذلك على أصوات أغنية روسية ـ حسب ما جاء في تقريرمحققي "فريق استخبارات الصراع (CIT)".

كذلك يشير المحققون إلى أن العملية تمت ضمن منشأة صناعية مهجورة في الصحراء السورية، وأن عناصر من "مجموعة فاغنر" هم بالضبط من قاموا بها: "أسلحتهم ليست جديدة.. والجزء الأكبر منهم لا يرتدون زياً رسمياً مموهاً، وهو أمر غير معهود بالنسبة لقوات العمليات الخاصة الروسية، التي تعمل أيضاً في هذه المنطقة من سوريا".

وأثناء عملية التعذيب هذه ضحكوا وسخروا وسمعوا الموسيقى وتحدثوا باللغة الروسية دون لكنة. ولوحظ على ساعد أحد العناصر شريطة قماشية مكتوب عليها "أنا فقط سأجعلك تتألم جداً، جداً". العبارة مأخوذة من الفيلم الهوليودي "الفرقة الانتحارية"، الذي تقوم فيه عميلة مخابرات أمريكية بإجراء صفقة مع سجناء خطرين جداً من أجل القتال ضد كائنات أخرى لم تستطع أجهزتها الرسمية القضاء عليها، مقابل تخفيض عقوباتهم وحصولهم على بعض المزايا، والذي عرض في روسيا آنذاك وترك تأثيراً كبيراً على المشاهدين هناك.

الصفقة التي جرت بين عصابتي "مجموعة فاغنر" وبشار الأسد تشبه إلى حد بعيد ما جرى الاتفاق عليه في هذا الفيلم؛ فـ "ربع الغاز والنفط المنتج في الأراضي التي تسيطر عليها داعش سيذهب إلى شركة يفغيني بريغوزين (فاغنر) المرتبطة بالكرملين، مقابل أن ترجعها إلى سيطرة بشار الأسد".

تشير الأغنية "أنا مقاتل من القوات الخاصة الروسية"، التي تظهر على خلفية المشاهد المروعة، إلى الحرب الشيشانية ـ الروسية الأولى، التي شارك فيها العديد من المرتزقة الروس؛ وتحمل في مضمون كلماتها معاني عنصرية تحث على القتل والإجرام:

القرية تحترق..
والأم الشيشانية تهرب..
ولا تريد أن تعطيني الطفل؛
ألتقط البندقية الثقيلة من على كتفي،
آخذ الطفل وأقتل الأم.
أنا مقاتل من القوات الخاصة الروسية،
ولا يهمني شيء على الإطلاق،
أنا ذاهب للقتل،
والبندقية في يديّ...

لقد كتبتُ مقالاً عن مجموعة فاغنر هنا في مجلة "عين المدينة" (24-9-2017) حيث نشر الفيديو الصادم بقسوته ضمن المقال؛ إلا أنه لم يثر آنذاك ردود أفعال قوية وإدانة عالمية، ولكن في تشرين الثاني 2019، ظهرت تتمة للقصة على شبكة الإنترنت: الأجزاء الثلاثة التالية من الفيديو، والتي توضح ما حدث لاحقاً للشاب السوري المسكين.

في هذه الفيديوهات، يقع الشاب الذي أُصيب بمطرقة ثقيلة على الأرض فاقداً للوعي أو أقرب إلى الميت. يقوم أحد المشاركين في الجريمة بقطع رأسه، بينما يعلق آخرون مقدمين المشورة مع بعض الكلمات النابية: "قص، هيا أقوى! هيا، اكسر فقرات الظهر! هيا بالمجرفة!". يضيف أحد المشاركين بعد كسر يد الرجل بفظاعة "الجندي الروسي هو القوة"؛ ثم يتم تقطيع اليدين بمجرفة، ويوصي آخر: "اترك الساقين لأننا سنعلقه من القدمين". بعد ذلك يُعلق الجسم مقطوع الرأس والذراعين رأسًا على عقب، وقد كتبوا على بطنه "من أجل القوات المحمولة جواً"، ويصب عليه البنزين ويحرق؛ في حين يستمر المشاركون في الاستمتاع والصخب. تتم العملية ببطء وطقوسية سادية غريبة!

تمكنت صحيفة "جسر" الإلكترونية من تحديد هوية الضحية: "محمد طه إسماعيل العبد الله، المعروف أيضاً باسم حمادي الطه البوطه، من مواليد الخريطة في محافظة ديرالزور العام 1986، وكان يعمل في لبنان في مكبس لطوب البناء، واعتقل على الحدود أثناء عودته إلى البلاد في تموز 2017 ليساق للخدمة اﻻحتياطية في مطار التيفور.. ولم يعلم ذووه حينها أنه قادم لزيارتهم أو أنه اعتقل. كذلك أكدت الصحيفة الإلكترونية أن التسجيلات تمت في حقل الشاعر النفطي في بادية حمص والذي كان تحت سيطرة النظام وحلفائه الروس في تلك الفترة.
بعد أن تم تحديد هوية الضحية، قامت صحيفة "نوفيا غازيتا" (الجريدة الجديدة) بنشر تحقيق مهم كتبه الصحافي الشجاع دينيس كوروتكوف؛ وتحديد هوية أحد القتلة الروس رغم صعوبة العملية؛ إذ غطى جميع المشاركين في المذبحة وجوههم، ما عدا واحداً ارتدى زياً أخضر ولف رأسه بكوفية عربية وظهر في الأجزاء الأولى من الفيديو يحمل كاميرا. في بداية الجزء الرابع، تسمع كلمات شخص ما يقول: "تخفون الوجوه... حسناً، على أي حال، هذا الفيديو لن يذهب إلى أي مكان". والرجل مع الكاميرا ينزل الكوفية من على وجهه.

تقول الصحيفة: "لقد حملنا صورة الشخص الذي يحمل الكاميرا ويضع الكوفية العربية، من خلال خدمة FindClone، التي تتيح لك العثور على صورة الشخص في شبكة VKontakte الاجتماعية باستخدام صورة الوجه". ثم أضافت بأن الرجل في الكوفية يشبه ستانيسلاف د؛ وهو روسي خدم في الاستخبارات التابعة لـ "مجموعة فاغنر". لكنها أخفت الكنية لأسباب تتعلق بسلامة أسرة المرتزق. كذلك حصلت على نسخة من جواز سفره، واستمارة معبأة بخط اليد للخدمة في استخبارات فاغنر، ومذكرة عدم إفشاء معلومات وسيرة ذاتية. تم تعبئة الاستمارة في شباط 2016. ولكن، كما هو موضح، بحلول هذا الوقت كان يعمل بالفعل في "مجموعة فاغنر" كـ "مقاتل في قسم استطلاع".

لكن لم يطل الوقت كثيراً حتى تم الكشف عن كنيته: ستانيسلاف يفغينيفيتش ديتشكو مواليد 1990 إقليم ستافروبول. تم إقالة ستانيسلاف في كانون الثاني 2014 من جهاز الشرطة نتيجة سوء السلوك واستغلال المنصب وضبطه في حالة سكر. بعد ظهور الفيديو المشين أغلقت زوجته حسابها وأعادت كنيتها السابقة قبل الزواج.

القاتل الثاني المحتمل هو عسكري روسي سابق يبلغ من العمر 39 عاماً من منطقة بريانسك ويدعى روسلان. ذكر موقع "فونتانكا" البطرسبورغي المعارض: "تم التعرف عليه بسهولة من قبل دائرة واسعة من معارفه". ووفقاً لنفس المصدر، فإن رسلان قد سافر في رحلة عمل إلى دمشق على متن شركة الطيران السورية "أجنحة الشام للطيران".

تمكن الصحفيون من التحدث مع أصدقاء رسلان، الذين أكدوا أنه في عام 2017 سافر في رحلة عمل إلى سوريا، حيث زارها مرة واحدة وعاد في نفس العام. رسلان نفسه في محادثة هاتفية مع الصحفيين نفى رحلته إلى سوريا. وأضاف أنه يعمل الآن كمتطوع في مسابقات السياحة في قصر المحافظ للأطفال والإبداع الشبابي في بريانسك.

هناك صور لرسلان في الزي القوزاقي على الشبكات الاجتماعية، وهو يشارك في التدريب الوطني للشباب. لكن موقع "فونتانكا" أكد أنه في 11 كانون الثاني 2017، سافر شخص لديه جميع البيانات الشخصية لرسلان، إلى حيث تقع قاعدة تدريب عسكرية لـ "شركة فاغنر". في نهاية المحادثة الهاتفية، وعد رسلان إرسال آخر ثلاثة أرقام من جواز سفره، ولكن بعد ذلك قال بأنه "لا يعرف في أي مكان وضعته زوجته".

ذكرت صحيفة "نوفيا غازيتا" أنه في صفوف "مجموعة فاغنر" كان هناك ما لا يقل عن اثنين باسم "فولك" (الذئب). ومن المعروف أن تسمية "الذئب" تعود إلى المرتزق الصربي الشهير دافور سافيتشيتش، الذي قاد وحدة الاستخبارات في المجموعة. لكن الشخص الثالث المشارك في عملية التعذيب والقتل، والذي لُقب بـ "فولك"، كان المواطن فلاديسلاف أبوستول، الذي وُلد في 13 كانون الثاني 1988 في قرية تشوتوليشت التابعة لمنطقة فلوريشت. وكان الرجل يحمل الجنسية المزدوجة -جمهورية مولدوفا والاتحاد الروسي- وعاش في منطقة بيلغورود. وحسب معلومات جهاز الأمن الأوكراني فإن أبوستول قاتل مع "فاغنر"؛ لكنه قتل إلى جانب ثمانية مرتزقة آخرين في عام 2018 بالقرب من دير الزور أثناء قصف طائرة أمريكية.

في البداية حاول الكرملين النأي بالنفس والتنصل من القضية، حيث قال بيسكوف، المتحدث باسم فلاديمير بوتين، إنه لم يكن على دراية بالفيديوهات بعد، وأضاف أنها "ليست مسألة الإدارة الرئاسية"، مؤكداً أن ما حدث "ليس له أي علاقة بالعملية العسكرية الروسية في سوريا". لكن بعد نشر تحقيق صحيفة "نوفايا غازيتا" في 20 تشرين الثاني 2019، اعترف بيسكوف بأنه "تمكن من التعرف" على الصور ومقاطع الفيديو الخاصة بالانتقام من المواطن السوري، ووصفها بأنها "مروعة حقاً". وفقاً له، فإن الكرملين "لا علاقة له" بالأشخاص الذين ظهروا في الفيديو، ولا يرتبط الأشخاص في الفيديو بالجيش الروسي".

بعد كل ذلك لا يمكن التشكيك بالفيديوهات السادية الصادمة، لأنه تم إنتاجها من قبل المرتزقة أنفسهم. ما يجعل موسكو شريكاً مباشراً في هذه الجريمة، التي يمكن مقارنتها بفظائع النازيين خلال الحرب العالمية الثانية.

حقيقة أن الكرملين هو المنظم والراعي والمشارك في ارتكاب جرائم في الشيشان وجورجيا وأوكرانيا وسوريا ودول أخرى لم يعد سراً، وهذه الفيديوهات الكابوسية تأكيد آخر على ذلك. عاجلاً أم آجلاً سيتم الكشف عن بقية السفاحين المشاركين في فيديوهات التوحش والعار الروسية، ما يجعل تقديم شكوى إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، على أنها جرائم منظمة ضد الإنسانية في سوريا، أمراً ضرورياً وملحاً وهاماً