- Home
- مقالات
- رادار المدينة
الموجة الثانية للربيع العربي وفشل نموذج "الرعب السوري"
يحمل الربيع العربي باسمه المشتق أساساً من "ربيع الشعوب" الأوروبي الدامي عقب الثورة الفرنسية، قوة النموذج المضاد لاستقرارات الفساد والإفساد، وبينما يُقدّم الدمار السوري كمعيار لمصير من يعارض هذا الاستقرار، فإن هذا النموذج محمّل بالرعب الكامن للأنظمة ذاتها.
أسقط الجزائريون رئيسهم المريض أخيراً، وأجبروه على الاستقالة قبل أيام من نهاية ولايته الرئاسية الرابعة، بعد أن أُرغم النظام على سحب ترشيح عبد العزيز بوتفليقة لولاية -عهدة حسب التعبير السياسي المغاربي- خامسة، شكل إصرار النظام على خوضها باسم الرجل الذي غاب عن الحضور السياسي منذ إصابته بجلطة دماغية إهانة لشعب عظيم يعرف كله أن بوتفليقة لا يحكم فعلاً، لأنه في وضع صحي لا يسمح له بذلك، ولم يكن على مدى سنوات سوى "واجهة".
وفي السودان مازالت الحشود رغم تنحية عمر البشير، والتحفظ عليه "في مكان آمن"، تدمدم الثورة في الشوارع والميادين بقوة متزايدة، وزخم متسارع، دفع الجيش قبل التنحية إلى الاشتباك مع قوات الأمن التي حاولت فض اعتصام هائل أمام مقر وزارة الدفاع، وهي أيضاً مقر إقامة الرئيس السابق البشير المطلوب للعدالة الدولية بتهمة ارتكاب فظائع في إقليم دارفور.
وكرد فعل على ذلك، استخدم رئيس الوزراء الجزائري السابق صراحة وبدون أي مواربة، الدمار السوري الذي أحدثته حرب الإبادة الأسدية لتحذير الجزائريين من مصير مشابه إن هم واصلوا التظاهر ضد الرئيس بوتفليقة الذي بات الآن رئيساً سابقاً، فيما عاد ليطالب بتحقيق مطالب الشعب بعد أن دعم الجيش القوي والحاكم الفعلي للبلاد عزل الرئيس المريض دستورياً.
استخدم البشير الخطاب ذاته في التذكير بأن شعوب الربيع العربي تعيش شتاتها في السودان، فكان رد السودانيين -كما الجزائريين- ساحقاً على تحذيرات "السورنة"، مصراً على الحفر في خلفيات وطبقات تلك "الواجهة" وذلك "المكان الآمن" للوصول إلى التغيير الحقيقي، ورفع شبانهم لافتات تحية للثورة السورية في مظاهراتهم في رسالة مزدوجة للسوريين والأنظمة في البلدين. ومع أنه من المبكر الحكم على نتائج ما حدث في الجزائر والسودان إلا أن إرغام النظام على فعل ما لا يريده هو عادة بوابة التحولات... ومانجح مرة يمكن أن ينجح غير مرة.
مجدداً فشل الرهان على نموذج الردع؛ التخويف المنهجي بالمصير السوري لم يجدِ نفعاً في وقف اشتعال الموجة الثانية من الربيع العربي. فصحيح أن الربيع العربي تعرض لانتكاسات في عدة مواقع، وصحيح أن مذابح الدمار الشامل في سوريا تحولت إلى واجهة ترويع تستخدمها الأنظمة لكبح نزعات التغيير والتحرر لدى الشعوب، لكن قوة الرغبة في مصير أفضل، والإتاحة التي دفعها زلزال الربيع الدامي هذا خلخلت سطوة معادلة استقرار الفساد مقابل استقرار الأمان المزمنة التي أدمنتها الأنظمة بكل صفاتها الأوليغارشية العسكرية.
لا أحد يريد تكرار ما حدث في سوريا، وهذا "اللا أحد" هو الأنظمة ذاتها التي تراقب نظام بشار الأسد وقد تحول إلى مسخ سلطة منبوذة.