- Home
- مقالات
- رادار المدينة
يوم قائظ في الحسكة
يحاول أحمد تحديد فترات وصول كهرباء المولدات التي تعتمد عليها مدينة القامشلي إلى بيته بدقة؛ من الساعة الواحدة ظهراً إلى الرابعة عصراً، ومن الساعة السابعة مساءً حتى الثانية عشرة منتصف الليل. يستعيد ذكرى الساعات الطويلة التي يقضيها كل يوم مع ولديه وزوجته متنقلين بين غرف المنزل والشرفة هرباً من حرارة تموز "طباخ العنب"، ثم يعود لتحديد أوقات الكهرباء التي تنقطع بحجة عدم توفر المازوت، أو تخفيف الضغط عن المولدة.
"حي الآشورية في القامشلي حيث أسكن، يعتمد سكانه على كهرباء المولدات الخاصة، أما الكهرباء النظامية القادمة من محطات توليد الكهرباء، فتأتي ساعة واحدة فقط أو اثنتين بعد منتصف الليل" يقول أحمد العاطل عن العمل والذي يعتمد في معيشته على مساعدة أخيه المقيم في أوروبا.
لا يبرع كثيراً في إيصال شعوره حيال الحر اللاهب، ويترك للخيال المجال كي يرسم صورة عن حياته المريرة مع الحر حين يذكر بأنه يعيش في مدينة مكتظة نسبياً، أبنيتها من الإسمنت وشوارعها مسفلتة، وكل ذلك يساهم في رفع درجات الحرارة المرتفعة في الحسكة، ولا يساعد في الطرق الموروثة في التكيف مع البيئة والطقس.
صاحب المولدة لا يلتزم بتشغيلها طوال ساعات الاشتراك، فكثيراً ما تصل الكهرباء ساعة واحدة فقط، والحل الوحيد الذي نملكه حيال ذلك الوضع أن ندعو على صاحب المولدة، يستلم مخصصاته من لجنة المحروقات في حي الهلالية، لكنه يبيعها ب 1200 ليرة. قدمنا أكثر من مرة شكوى عليه ولكن دون جدوى، يقول باستسلام.
وعن عادات يومه وسط ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة في الحسكة يسرد: أفيق مجبراً حوالي الساعة الثامنة صباحاً غارقاً بعرقي، وأتذكر بحسد سكان الطابق الأخير في البناية لأنهم يستطيعون النوم على السطح، أما أنا فلا أستطيع النوم حتى في الشرفة "الفرندة" لأنها مكشوفة على الجيران. المهم فور استيقاظي أدخل إلى الحمام لكي أزيل الدبق عن جسمي، أتمنى أن أبقى في الحمام تحت المياه طوال اليوم، لكنها حارة هي الأخرى.
لا طاقة لنا على الإفطار؛ تكون زوجتي قد وضعت بطيخة على الشرفة في الليلة السابقة لكي تبرد بعض الشيء، في الصباح نتناولها في غرفة من البيت لا تراها الشمس أكثر من ساعة في اليوم، ونشرع بعدها أبواب البيت وشبابيكه بانتظار العذاب اليومي الذي لا منجى منه. أحياناً نفرش في أرضية الغرفة سجادة خفيفة، لكن في الغالب نستلقي مباشرة على بلاط الغرفة الذي يكون ما زال يحتفظ ببعض البرودة بعد شطفه، بينما يلفحنا الهواء الحار من الخارج وكأننا نطل عليه من باب جهنم.
في السوق يطبخ تموز البشر لا العنب، الأرض تفور تحت أقدام المتسوقين. غالبيتهم يشتري أغراض يوم أو يومين لا أكثر خوفاً عليها من أن تفسد إلى حين استعمالها، ويمتنعون عن شراء أغراض الأسبوع من الأسواق المتنقلة؛ أحدها سوق الأربعاء الذي يفتح بالقرب من منزلي، لكني لم أعد أواضب عليه منذ بداية الحر، بل أضطر إلى التبضع يومياً ولكن بأسعار أعلى، وفور وصولي إلى البيت أتوجه إلى الحمام.
نحتفظ بما نستطيع من الماء في السطول لأننا لا نحتمل استعمال ماء الخزان بعد الساعة الثانية عشرة ظهراً، خاصة لمكيف الماء الصغير الذي نملكه "الصحراوي"، أما ماء الشرب فهي الشيء الوحيد الذي يستطيع البراد توفيره بارداً. عند وصول الكهرباء، ننتقل بين غرف المنزل الثلاث رفقة المكيف وفقاً لبعدها وقربها عن جهة تموضع الشمس، ونضبط ساعة تناول الغداء في الثالثة غالباً للاستفادة من هوائه الاستثنائي.
بعد انقطاع الكهرباء نتحايل على بقية الظهيرة بالبوظة، ثم أخذ قيلولة بمساعدة منشفة مبللة بالماء تغطي صدري ووجهي، بينما تهفهف زوجتي بمنشفة فوق الطفلين للتخفيف عنهما، لكن لا تفي بالغرض أي من تلك الحيل، فيبدأ بعدها التنقل بين غرف المنزل والشرفة، حيث نتأكد من الماء في علبة خصصناها للعصافير. الجميع يحوص هرباً من الحر حتى الساعة السابعة.
يختم أحمد بأن الناس في القامشلي مع الجو الحار صارت تبحث عن بدائل أكثر نفعاً، فأصحاب الأوضاع المادية الجيدة بدأوا باستخدام الطاقة الشمسية، وهذا ما لاحظه عند مشاهدة أسطح البنايات المجاورة التي لا تخلو الواحدة منها من ألواح طاقة شمسية. أما أصحاب الأوضاع المادية المتوسطة مثل أحد أقربائه، فيستخدمون البطارية لتشغيل مروحة صغيرة بين ثلاث وخمس ساعات.