- Home
- مقالات
- رادار المدينة
ولاية كيليس التركية والنشاط الثقافي السوري.. أدباء ومثقفون سوريون ينحتون في الصخر
يُحاول سوريون في ولاية كيليس الصغيرة الحدودية، منذ بداية السنة، القيام بمشاريع ثقافية ضداً من الواقع الذي تُتيحه ظروف الولاية، يُضاف إلى ذلك توجّه منظمات المجتمع المدني إلى الإغاثة والصحة، كما تصطدم هذه المشاريع ببيروقراطية الحكومة التركية وصعوبة حصولها على الرّخص الخاصة.
يزيد عدد السوريين في ولاية كيليس الحدودية عن عدد الأتراك، متجاوزاً (180 ألفاً)، وتُشكّل المدينة القِبلة الأولى التي مرّ بها كل الذين دخلوا إلى تركيا من الشمال السوري، قبل أن ينتقلوا إلى مناطق أخرى أو يُهاجروا إلى أوروبا، إلّا أن صغر المدينة وغياب فرص العمل فيها وضعف الأنشطة الثقافية والفكرية لم يحُل دون ولادة نشاط ثقافي بجهود سورية. بينما تكاد تخلو المدينة من النشاطات حتى بداية السنة الجارية، حتى على الصعيد التركي، فلا يوجد في المدينة سوى بعض المكتبات التي تختصّ ببيع القرطاسية ولوازم المدارس، ولاتحوي مركزاً ثقافياً أو مكتبة عامة.
مركز زحل الثقافي أحد النشاطات السورية الجديدة المُبشرة في الولاية، استقطب المركز 1500 زائراً منذ افتتاحه منهم 280تركياً. ويحتلّ قسم الأطفال الواجهة الرئيسية للمركز، ويحتوي على كتب وقصص للأطفال، بالإضافة إلى ساحة للرسم وجدارٍ يُعلّق الأطفال عليه رسوماتهم. يأخذ القسم إلى ممرّ يحتوي على طرفيه رفوفاً لكتب أدبية واجتماعية وتربوية باللغتين العربية والتركية، ثم صالة عليها طاولات للقراءة، وعلى يسار الصالة أجهزة حاسوب بإمكان الزائر استخدامها في عمليات البحث والقراءة، كما يضم المركز مسرحاً خُصص حديثاً لفعالية (حكواتية صغار)، وصالة سينما صغيرة يقول القائمون على المركز إنها ستُفعّل خلال وقت قصير، وستعرضُ أفلاماً مدبلجة للأطفال وأفلاماً وثائقية لليافعين والكبار.
وتقول ندى الجابري التي ترعى نشاطاته من أمريكا «إن المشروع مخصص في جزء كبير منه للأطفال، من خلال دعمهم النفسي، وإشراكهم في أنشطة ثقافية ومسرحية وموسيقية وغنائية بغرض الترفيه، وتعزيز القراءة وتنمية المواهب»، وترى الجابري أن تقديم سلّة إغاثية أو مساعدة مادية، على الرغم من أهميته، يبقى قاصراً، فهناك مهمة أخرى تقع على عاتق الجميع في بناء جيل جديد من خلال التشجيع على القراءة واستخدام التكنولوجيا في التطوير الذاتي، بالإضافة إلى الأنشطة الثقافية والترفيهية.
عمر ألحجي، المسؤول الإداري في مركز همة، يشرح أن اهتمام المركز منذ افتتاحه في 2013 انصب على الأعمال الخيرية والإغاثية للنازحين السوريين، بالإضافة لافتتاح روضة للأطفال ودورات لغة تركية وانكليزية ودورات تنمية بشرية وندوات دينية، وفي أواخر العام الماضي أُنشئت مكتبة مدرسية في المركز، تشمل قصصاً للأطفال وكتباً وموسوعات دينية، أهداها الضيوف للمركز. ومنذ شهر تم تدعيم المكتبة، التي تشغل غرفة خاصة بها للمطالعة ولرفّ الكتب التي لا تتجاوز 100 عنوان، بكتب منوعة، ونشاط (رقيم) الذي يقوم على قراءة كتاب ومُناقشته مع روّاد المركز وضيوفه.
بينما أتاح مدير مركز نماء المهني محمود الحسن، وأحد المشاركين في نشاط القراءة الأسبوعي فيه، قاعة ضمن المركز يُفرغها مساء سبت كل أسبوع، ولمدة ساعتين، يتبادل فيها المشاركون الدائمون، وهم قاص وشاعران وثلاثة شبان مهتمون بالأدب، كافّة أنواع الأدب، ويستمعون للضيوف الذين يتم استقطابهم من شبان وشابات.
«لم يتجاوز عدد المشاركين في كل جلسة أكثر من 10 أدباء، إلا أننا وفي كل جلسة نستمع لمشاريع أدبية واعدة من شبان وشابات نُحاول تقييمها وتشجيعها والاستماع لها» يقول الشاعر حسام جابهجي، بينما تقطع آية العبد الله أميالاً من جامعتها في أنطاكيا للوصول إلى كيليس للمشاركة بفعاليات الصالون «أنا سعيدة بمشاركتي بهذا الصالون الأدبي، بدأتُ بالخاطرة واليوم تحوّلت لكتابة القصة القصيرة، أسعى جاهدة للحضور والتواجد كل سبت لأُسمع أصدقائي آخر ما كتبت، وأسمع منهم كل جديد».
بجانب آخر، وضمن نشاط ثقافي ربحي، وفي شارع فرعي، وعلى رفوف زهرية اللون، وضع القاصّ عبد الغني حماده بعض الكتب (روايات وكتب سياسية وشعرية وقصص أطفال) ليفتتح أول مكتبة عربية في كيليس في آذار الفائت، لبيع الكتب وإعارتها لمن لا يملك ثمنها، لتشجيع القراءة التي يراها اندثرت اليوم.
يستقبل القاص زواره بفنجان قهوة، وهو يشرح عناوين الكتب وأهميتها والحفاظ على الهوية العربية والتعرّف على كتابها. الإقبال كان ضعيفاً في البداية، والظروف المادية السيئة حالت دون إثراء المكتبة بعناوين كثيرة، إذ تضم المكتبة ما يقارب (200 عنوان)، كما أن دُور النشر رفضت تزويد المكتبة بالكتب (برسم الأمانة).
استعان الأستاذ حماده بصفحات التواصل الاجتماعي في الولاية للتعريف بمكتبته، يضحك القاص وهو يخبرنا أنه يُعير كتاباً كل يوم لقاء نصف ليرة تركية، وهو ما يعدّه إنجازاً، فقد أعار (40 كتاباً) وباع أكثر من 100 خلال الشهرين الماضيين، على الرغم من تجاوز سعر الكتاب 30 ليرة تركية.