- Home
- مقالات
- رادار المدينة
هاشتاغ (كلابيتي_هويتي).. تمسك بالفلكلور أم رفع حواجز بوجه الآخر
أحدث هاشتاغ (#كلابيتي_هويتي) تفاعلاً كبيراً على مواقع التواصل الاجتماعي، رداً على ما وصفه المشاركون بـ "التنمر على زي أهل ريف ديرالزور التقليدي"، واتسع نطاق التفاعل ليشمل مختلف أنحاء العالم. بينما اعتبره البعض تكريساً للحواجز التي بدأت بالارتفاع بين مكونات المجتمع السوري منذ عشر سنوات حتى الآن.
بدأ الأمر حين أعلنت صفحة "الشعيطات مدينتي" في "فيسبوك" الشهر الماضي، عن موعد افتتاح نادي "إشبيلية الرياضي" لكمال الأجسام في بلدة الكشكية التابعة لمنطقة البوكمال في نطاق ما يسمى بلدات "عشيرة الشعيطات" شرق ديرالزور. حضر الافتتاح أبناء البلدة وبعض من شبان البلدات المجاورة، مرتدين زيهم المحلي "الكلابية" أو "الدشداشة"، على اعتبار أنهم قدموا لتقديم التبريكات ولم يحضروا للتدريب حسبما أشار مطلقو الحملة.
نشر زائرو النادي صوراً و مقاطع فيديو على حساباتهم تظهرهم يتمرنون بأدوات النادي الرياضية بلباسهم التقليدي، لتعيد نشرها بعد مدة وجيزة صفحات عامة وبعض صفحات الإعلاميين المواليين لـ"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) كـ "Instagram kurdi" وصفحة الإعلامية " ”naz seyed، والتي استقطبت تعليقات كثيرة ساخرة ومتهكمة تحولت إلى منشورات غزت الكثير من الصفحات السورية داخل وخارج الحدود، تتهم زائري النادي بـ "التخلف" وتقارن الصور بأخرى ظهر فيها عناصر من حركة طالبان أثناء سيطرتهم على المدن الأفغانية.
بالمقابل انطلقت حملة تضامن واسعة على وسائل التواصل تحت هاشتاغ #كلابيتي_هويتي، انضم إليها أفراد ومجموعات سورية من مختلف مناطق العالم، كرد فعل على ما وصفوه بـ "الإساءة والسخرية على التراث والهوية".
وتساءلت صفحة "الشعيطات مدينتي" عن إذا ما كان ينبغي على أفراد الشعيطات أن يظهروا عراة الصدر أو باللباس الداخلي لكي يعي الآخرون أن المكان هو نادي رياضي، بالرغم من أن الحاضرين هم زائرين مباركين وليسوا متدربين. وقال مطلق الحملة أحمد العلي الناشط في منظمات المجتمع المدني بمنطقة الشعيطات "ما دفعني لإطلاق الحملة هو الكم الكبير من الاحتقار والتنمر الذي ملأ وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة من الصفحات المدارة من قبل أبناء الساحل السوري، وبعض أصحاب المحتوى التافه مثل عبد الله الحاج (شيخ النيني)".
وكان الحاج نشر على حسابه محتوىً مسيئاً تجاوز حادثة النادي، وذهب فيه إلى وصم ابن الريف الشرقي "الشاوي" ووسمه بالتخلف والهمجية، وأنه قادم من "ورا البقر"، وشبّه زوار النادي بـ"القرباط" الأقوام التي تتعرض باستمرار إلى الازدراء والوصم في الخطاب السوري اليومي، وتحديداً من قبل المؤثرين على وسائل التواصل مثل "شيخ النيني"، بحسب ما ذكر المتفاعلون مع الحملة.
وأضاف العلي أن الحاج وغيره من أصحاب منصات التنمر والسخرية، يعتبرون أن أبناء "الريف الديري" بعيدين عن الثقافة والتكنولوجيا والأدب والشعر وما إلى ذلك، ويحصرون ذلك في المدن الكبرى فقط، وهم يلقون بالمقابل تفاعلاً كبيراً من جمهور عريض يحبذ هذا النوع من المحتوى، في حين أنهم (أصحاب هذه المنصات) جاهلين.
وعن إطلاق الحملة أشار العلي إلى أن الحملة في بدايتها أُطلقت تحت عنوان "كلابيتي أغلى من راتبك"، قبل أن يتم تعديله إلى "كلابيتي هويتي"، وما لبثت الحملة أن استقطبت تفاعلاً وتضامناً كبيراً، بدأ من المدن والقرى المجاورة واتسع نطاقه ليشمل أبناء المنطقة الشرقية لسوريا ومنها إلى كافة أنحاء العالم. ونشر المشاركون صوراً لهم ولأطفالهم وهم يرتدون "الكلابية" من سوريا وتركيا وأوروبا، حتى من مناطق سيطرة النظام السوري، إصراراً منهم على التمسك بهذا الزي التقليدي وتوريثه للأبناء والأحفاد، واعتباره جزءاً أصيلاً من هويتهم.
ونشر الكثيرون منهم صورة اللاعب "karim Benzema" وهو يرتدي "الكلابية" على أحد الشواطئ كدليل على اعتراف أبناء الثقافات الأخرى بثقافة أصحاب "الكلابية".
في حين لاقت الصورة التي التقطتها مجموعة من أبناء الشعيطات عند "بوابة برلين" في العاصمة الألمانية، وهم يرتدون "الكلابيات" و"الشماغ" والعقال، شهرة واسعة. نشرت الصورة صفحة "لم الشمل" في ألمانيا، ومن ثم تداولتها صفحات و"كروبات" اجتماعية أخرى. وأرفقت صفحة "مجلة العرب في ألمانيا" في "فيسبوك" الصورة بالمنشور "شيخ قبيلة برلين يستقبل شيوخ المقاطعات المجاورة"، لتنهال على المنشور التعليقات الناقدة لسخرية الصفحة من جهة والمتضامنة مع أصحاب الصورة من جهة أخرى، ولتتحول "كروبات" السوريين في أوروبا إلى ميادين للمشادات الكلامية والصراع الهوياتي.
في السياق أوضح فادي النوري أحد الأفراد في صورة برلين، أن قضية صور النادي "تجاوزت مسألة السخرية والاستهزاء إلى الطعن بتراثنا وأصالتنا، ما حتم علينا التحرك، خاصةً بعد أن شهدنا حجم التضامن، والذي اتسع ليشمل حتى الأطفال والسوريين اللاجئين من المحافظات الأخرى" مضيفاً أن أبناء دير الزور والمحافظات الشرقية لا تخلو بيوتهم في ألمانيا من "الكلابية" التي يرتدونها في مناسباتهم الأهلية الخاصة.
وأشار النوري إلى أنه مع بقية المجموعة التي تتجاوز العشرة أشخاص، اتفقوا على ارتداء زيهم التقليدي في يوم العطلة والتقاط الصور عند بوابة برلين، والتي نشرها النوري على حسابه في فيسبوك مرفقة بالتعليق "من وسط برلين نشارك أهلنا بتريند #كلابيتي_هويتي"
وفيما يخص موقف الألمان من هذا المشهد، لفت النوري إلى أن العاصمة الألمانية تحتوي ما نسبته 60-70 بالمئة من الأجانب (عرب، أفارقة، أكراد، هنود..)، وبيّن أن برلين تمثل حالة نادرة من التنوع الثقافي، وتستوعب جميع المظاهر الاجتماعية لهذه الأقوام، وأنه بات من المألوف أن يُشاهد هندياً يضع عمامته في القطار والعمل، أو إفريقياً يرتدي زيه "المُقصَّب". واستطرد "الأكراد يرتدون كامل زيهم الرسمي في مناسباتهم وأعيادهم. غالبية الألمان يألفون هذا التنوع في المظاهر ويرحبون به" متابعاً بالقول "أن بعض أصدقائي الألمان طلبوا مني أن يلتقطوا صوراً وهم يرتدون لباسي التقليدي".
وعبر النوري عن أسفه من أن التنمر والتنميط صدر من "أبناء جلدتنا" السوريين، وليس من أبناء شعوب أخرى.
التفاعل الذي لاقى الكثير من الحماس من أبناء المنطقة الشرقية، حذر البعض من كونه يساهم في وضع حواجز بين المكونات الاجتماعية السورية على أساس الزي، ويصب في عملية اجتماعية ثقافية تحول الاختلافات إلى حواجز بين المكونات.
في هذا النطاق رأى ناشطون من دير الزور أن التفاعل جاء كردة فعل وانتقام للجرح النفسي الذي سببته السخرية، في حين تبقى "الكلابية" على أرض الواقع زياً يلبسه أبناء المنطقة إلى جانب العديد من الأزياء الحديثة التي ينتقونها حسب أماكن سكناهم وظروف الحياة التي يتكيفون لها، الأمر الذي ينطبق على حتى القائمين على الحملة ومحيطهم الاجتماعي، وفق تعبير البعض.