- Home
- مقالات
- رادار المدينة
هاجس الترحيل يخيم على اللاجئين السوريين في دول الجوار
ظل السوريون المنتشرون في دول الجوار السوري يراوحون في منطقة الترقب، رغم مرور عقد كامل على حيواتهم التي أسسوها في ظروف جديدة، دون أن يستطيعوا أن يمضوا فيها بأمان على أي مستوى. وفي ظل الانفتاح العربي والإقليمي على النظام وهاجس الترحيل إلى سوريا الذي يخيم على اللاجئين السوريين في دول الجوار، يحاول الكثير منهم توطين النفس على العودة القسرية التي سيجبرون عليها والتفكير في الخطوة التالية.
ثماني سنوات مرت على إقامة خليل (٤٤ عاماً) برفقة عائلته الحمصية في مخيم الأزرق الذي يبعد 100 كم عن العاصمة الأردنية عمان، قضاها في كرفانة حارة صيفا باردة شتاء على أمل الدخول إلى المدن الأردنية، لكن آماله تبددت بعد اجتماع عمان متحولة إلى أرق ليلي من هاجس الترحيل إلى مناطق النظام في سوريا.
ويقول خليل الذي قضى قرابة ربع عمره في خيمة من المعدن، إن "الترحيل غدا الرعب الأكبر الذي نعيشه كلاجئين في المخيمات الأردنية". وعلى مقربة من خليل يلعب أطفاله الثلاثة الذين تجاوز أكبرهم عشر سنوات وسط الرمال والغبار المنبعث، فالمخيم عبارة عن كرفانات أقيمت في البادية بعيداً عن المدن الأردنية.
تمكن أقارب خليل في العام 2017 من دخول مدينة عمان والإقامة فيها، ولم يحصل خليل على موافقة مماثلة من السلطات الأردنية، في حين يخشى العودة إلى سوريا وهو مطلوب للأفرع الأمنية ليقضي أيامه "في دوامة لا نهاية لها".
سمع خليل كغيره عن التفاهم الأردني مع النظام الذي يقضي بترحيل 1000 لاجئ من الأردن، ويؤكد أن الجميع قلقون من هذا البند، مع تسجيل فارق بين تعاطي السلطات الأردنية مع ملف اللاجئين عن نظيرتها اللبنانية ف"لا نتوقع أن يتم إجبارنا على العودة.. على الأقل في الفترة القادمة".
وتشكل حالة خليل نموذجاً لآلاف اللاجئين السوريين في كل من لبنان والأردن وتركيا المهددين بالترحيل على خلفية طرح ملف اللاجئين على طاولة المفاوضات مع النظام. ويخشى معظم اللاجئين من تطبيق الرؤية الإقليمية لهذا الملف دون ضغوط جادة على النظام، فإعادة آلاف المطلوبين للأفرع الأمنية أو للخدمة العسكرية يعني تعريضهم لمخاطر عديدة ليس أقلها زجهم في المعتقلات.
في بيروت اضطر أبو أسعد (35 عاماً) إلى تغيير مكان إقامته أكثر من مرة بسبب تخوفه من جيرانه في الحي الموالين ل"حزب الله اللبناني". تدعى زوجته عائشة وهذا ما يثير مخاوفه بحسب ما يشرح لعين المدينة. مضيفاً أن "الطائفية تلعب دورها في مثل هذه الظروف، وجميعنا معرض لهجمات من الجيش والعناصر الطائفية المسلحة".
كان أبو أسعد يقيم في منزل ريفي مريح لكنه مضطر اليوم إلى الإقامة في مستودع مهجور قام باستئجاره ب100 دولار، ممارساً حرفته في الموبيليا كأجير في إحدى الورشات. لكن القلق من المداهمات يجعله في خوف دائم لا سيما بعد عمليات الترحيل القسرية التي قام بها الجيش اللبناني في الفترة الماضية.
ويعد التعاطي مع ملف اللاجئين السوريين في لبنان شديد الحساسية نظراً إلى تصاعد خطاب الكراهية تجاه السوريين ومطالبة مئات اللبنانيين عبر وسائل التواصل الاجتماعي بإخراجهم من لبنان مع تحميلهم مسؤولية تدهور الاقتصاد اللبناني، ما يعني أن اللاجئين تحولوا إلى ورقة سياسية قد تستخدم مراراً.
ويأتي معظم قلق اللاجئين في الأردن ولبنان من العودة إلى مناطق النظام بسبب القبضة الأمنية، بينما يختلف الوضع في تركيا على الرغم من كثافة المرحلين نحو سوريا نظراً إلى اختلاف مكان العودة. لكن هناك توجس دائم لدى السوريين في تركيا من الترحيل، فمناطق المعارضة ليست مؤهلة لاحتضان عشرات الآلاف في ظل القصف والبطالة، كما أسس قسم كبير من السوريين أعمالاً ومشاريع استثمارية في تركيا، والترحيل يعني طي سنوات من التعب.
يدير أنس (٤١ عاماً) ورشة خياطة في مدينة إسطنبول، وقد تمكن في غضون خمس سنوات من الحصول على حياة معيشية مريحة، فهو يمتلك سيارة خاصة وأرباح ورشته جيدة جداً وفق ما يوضح لعين المدينة.
ويخشى أنس من لجوء السلطات التركية إلى إغلاق ورشته واقتياده إلى مراكز الترحيل، مشيراً إلى أنه يعرف عشرات الأشخاص الذين رحلوا "بينما كانوا يمنون النفس بالإقامة الدائمة في هذا البلد.. فأعمالنا قائمة واعتدنا على تركيا ولا نرغب بالعودة إلا إذا تغيرت الظروف في سوريا جذرياً".
وفيما يبدو أن ملف عودة اللاجئين قد حسم إقليماً، ويحاول اللاجئون التأقلم مع الوضع الجديد سواء ب"تناسي الفكرة حتى تصبح قدراً محتوماً" كما يقول خليل، أو ب"العمل على تهيئة ظروف جديدة في الشمال السوري بحيث يجد المرء مكاناً وعملاً في حال تم ترحيله" بحسب أنس. أما أبو أسعد الذي يشكل ملفه الأكثر خطورة كونه يقيم في لبنان، فيحاول استباق المصير المجهول بالهجرة عبر ممرات التهريب النشطة من بيروت حتى إدلب، والتي تشكل بحد ذاتها مصيراً مجهولاً آخر.