- Home
- مقالات
- رادار المدينة
نُخب من جنوب العاصمة يدشنون واقعا ثقافيا جديدا عبر(المكتبة الدمشقية)
شمس مطعون - محمد كساح
في المكتبة الدمشقية لبلدة يلدا جنوب العاصمة دمشق، تصطفّ الكتب على عشرات الرفوف بأناقة واضحة. المكان بدا نظيفاً بألوان زاهية تشكلت من انعكاس الألوان المتباينة على الأرضية، وطريقة ترتيب الكتب، والإضاءة الموزعة بعناية. الهدوء السمة الأهم التي تغريك لارتياد المكتبة، إذ بإمكانك الجلوس على إحدى الطاولات واحتساء كوب من القهوة، حيث يتحول المكان إلى متنفس وملاذ جيد للعودة إلى القراءة والمطالعة.
أمام مكتب تجمعت عليه الكتب و بعض الأوراق، بدا عاطف أبو الخير (مدير المكتبة الدمشقية) سعيداً بما تم إنجازه في «الصرح» الذي ضم آلاف الكتب بجهود أبناء المنطقة، فـ«هذا العمل يثمر اليوم بجهود شباب متطوعين، لا أستطيع أن أرد لهم جميلهم» يقول أبو الخير.
لم تمنع سياسة الحصار، التي انتهجتها قوات النظام ضد المدن الثائرة، أبناء بلدة يلدا من رفع شعار «القراءة حياة» على مشروعهم الوليد، إيماناً بضرورة القراءة لتنمية المهارات، وفتح آفاق جديدة ورفع المستوى الفكري، ونشر الوعي لدى مختلف شرائح المجتمع. وكان افتتاح المكتبة، «سواء للدراسة أو المطالعة» وتأمين الكتب «قسم منها تم جمعه من الأشخاص والقسم الآخر تم شراؤه»، مهمة شاقة أعادت فتح أبواب العلم أمام بضعة آلاف من السكان، حرمتهم الظروف من القراءة ومتابعة تحصيلهم العلمي.
يتحدث أبو الخير عن بدايات مشروعه الذي حلم بتحقيقه منذ سنوات «الفكرة كانت في أذهاننا منذ وقت طويل، ولكن الظروف وصعوبة تأمين الكتب والمكان، كلها أسباب كانت تحول دون انطلاق المشروع».
مع تحسن الظروف، قام القائمون على المشروع بتحويل مبنى السجل المدني في يلدا إلى مكتبة ضخمة، تعد من أكبر المكتبات في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وتحول معها اهتمام «أبو الخير» من المحاماة وتسجيل حالات الطلاق والزواج، إلى إرادة في تغيير الواقع وتعزيز دور الثقافة والعلم... وإيماناً منه بـ«أن البندقية التي لا يحميها الفكر تهدم ولا تبني» على حد قوله.
عمل فريق «المكتبة الدمشقية» أشهراً متواصلة على تنظيف مبنى السجل المدني، وتجهيز الصالة، وفرز وترتيب الكتب وتوزيعها بشكل متناسق ومنظم. واعتمد الفريق على برامج حاسوبية تسهل على الباحثين عن الكتب إيجاد مبتغاهم.
ضمت المكتبة وفقاً لمديرها قرابة 7 ألاف كتاب في مختلف العلوم، وبعدة لغات حية، وتشمل ستة عشر قسماً: منها العلوم الشرعية والسياسة والقانون والفلسفة وعلم النفس والتاريخ والجغرافيا والحاسوب، إضافة إلى عدد من المجلات العلمية والثقافية.
ألفا زائر حتى الآن
استقبلت المكتبة التي فتحت أبوابها مطلع كانون الأول الماضي أكثر من 2000 زائر، دخلوا إلى المكتبة وتصفحوا كتبها. أغلبهم من فئة اليافعين ما دون 25 سنة، وهو أمر جيد، على حد قول مدير المكتبة الذي قال «إن من المتوقع أن تصرف ظروف الحرب والحصار التي تشهدها المدينة الأهالي عن القراءة والمطالعة، إلّا أن الأمر كان مفاجئاً والأعداد تتزايد في كل يوم». ويسعى القائمون على المكتبة إلى إقامة نشاطات جديدة فيها لجذب الفئات العمرية المختلفة،
كـ الحوارات الثقافية والسياسية، ودورات محو الأمية والخط العربي ودوري «شطرنج» للمحترفين، ودورات لتعليم الشطرنج. كما تم إنشاء قاعة مطالعة خاصة للنساء، لتلبية احتياجاتهن في القراءة والتعلم ورفع مستواهن الثقافي.
ثورة وثقافة
تضم البلدات التي تسيطر عليها المعارضة جنوبي العاصمة (يلدا، ببيلا، بيت سحم) العديد من النخب الثقافية، و لفيفاً من الخبرات المتنوعة، الأمر الذي يدفعنا للتساؤل: ماذا قدم الحراك الثوري في المنطقة في مجال الثقافة، على غرار المكتبة الدمشقية التي ربما يكون الإعلان عنها جاء متأخراً ؟
محمد النصر (عضو تجمع ربيع ثورة العامل جنوب العاصمة) قال لـ عين المدينة «هناك العديد من المحاولات لرفد الجانب الثقافي من عدة مؤسسات ثورية في جنوب دمشق، ولكنها لم تكن على المستوى المطلوب. حيث قامت هذه الجهات بمشاريع متنوعة في التنمية والتوعية في الجانب الثقافي، كان من بينها، على سبيل المثال لا الحصر، مركز (وتد للتدريب والتنمية) ومركز (قدرات للتدريب والتأهيل والتنمية) ومركز (نساء ماهرات) ومركز (آذار للدراسات)».
ورأى النصر أن مجتمع جنوب دمشق، بشكل عام، لايزال في أدنى المستويات المطلوبة من حيث إقباله على القراءة. ويعاني في الوقت ذاته من مشكلة في توجيه ذائقته نحو ما يقرأ. وعلى الرغم من ذلك لا يمكن إنكار جهود الكوادر والمؤسسات والمراكز التي تسعى للنهوض بالمستوى الثقافي بشكل عام، رغم قلة الإمكانيات والموارد وحالة عدم الاستقرار التي تمر بها المنطقة.
لكن، ومنذ الإعلان عن افتتاح المكتبة الدمشقية لُوحظ إقبال جيد نسبياً على القراءة، وخصوصاً من فئة الأطفال (بين عمر 10 إلى 15 سنة)، بالإضافة إلى إقبال لا بأس به من باقي الفئات بما فيها النساء. ومع ذلك «في الوضع الحالي القائم في المناطق المحررة، نجد من الصعوبة بمكان الاهتمام كما يجب بالجانب الثقافي والفكري، وخصوصا مع حالة الحصار والفوضى في المناطق المحررة، التي تسبب بها نظام الأسد وحلفائه بطريقة ممنهجة. بالإضافة إلى ضعف الدعم المقدّم في هذا الجانب»، على حد قول محمد النصر الذي رأى أنه من الممكن النهوض بالجانب الثقافي والفكري في المناطق التي يسيطر عليها الثوار، عندما نستطيع تقديم الحد الأدنى من الاستقرار، خصوصاً مع وجود كوادر وقدرات مميزة من المثقفين في هذه المناطق، ولكن الظروف الصعبة تحول دون ممارسة دورهم كما يجب.
قراءة للمشهد الثقافي جنوب دمشق
الناشط الصحفي «وليد الآغا» أشار خلال حديثه لـ عين المدينة، إلى أن الحراك الثوري ومنذ بداياته عُني بالجانب الثقافي بشكل كبير، حيث كان هدفه توعية المجتمع بضرورة الثورة على الاستبداد، ولكن مع اشتداد وتيرة حرب النظام على الشعب لوأد الثورة، والتطورات الميدانية وخاصة العسكرية منها، أجبرت الحراك على الانشغال بالجانب الإنساني باعتباره ضرورة مُلحّة، فطغى هذا الجانب على الجانب الثقافي. إلا أن المشاريع التوعوية الثقافية لم تخمد بشكل مطلق أيضاً، فبقيت بعض التجارب مستمرة بعملها توازياً مع الجوانب الأُخرى.
ويضرب الأغا أمثلة عن بعض المشاريع الثقافية في جنوب دمشق كمجلة (ربيع ثورة) الإخبارية الثقافية، والتي كانت موجهة بالدرجة الأولى للشارع في جنوب دمشق، تتناول قضاياه بشكل أسبوعي. والآن هناك عدة مشاريع منها المكتبة الدمشقية ومركز آذار. ويرى الآغا أن ما تعيشيه المنطقة من حصار ومشاكل اجتماعية، كالبطالة مثلاً، أخّرت موضوع القراءة في سلم أولويات ابن المنطقة، دون تعميم ولكن بنسبة كبيرة.
في المقابل قدّم الكاتب الصحفي ومدير فريق دمشق برس الإخباري (فادي شباط) قراءة مختلفة، حيث اعتبر أن الحراك الثوري -جنوب دمشق- لم يستطع تقديم أي شيء على صعيد الجانب الثقافي، بسبب انكفاء غالبية الناشطين باستجلاب مشاريع تنموية غذائية، باستثناء بعض الناشطين الذين أسسوا مُلتقيات ثقافية بسيطة، تُنظّم بشكل دوري ندوات ثقافية تفاعلية وأمسيات شعرية. لكن ما زال عدد المهتمين أو الذين يُلبون الدعوات لحضور أنشطة ثقافية محدود للغاية، ويوماً بعد الآخر يتقلص العدد، وكل ما نخشاه الوصول إلى طريق مسدود في هذا المجال.
«حالياً يوجد مركز وتد لتنمية وتدريب الشباب يُقدّم دورات مهنية في تعليم الحلاقة الرجالية والنسائية، كما يُقدم دورات إعلامية وتنموية وإدارة المشاريع، ويُنظم بين الفينة والأخرى جلسات ثقافية تُساهم في نبذ التفرقة العشائرية والمناطقية، كما يوجد مركز آذار للدارسات، يُنظّم منتدى ثقافياً واحداً كل شهر، ويُقدّم رؤيته حول المُستجدات المحلية الأخيرة، ويُقدّم تقديراً للموقف السوري بشكل عام. ويوجد مركز نساء ماهرات الذي يعمل في مجال تنمية النساء، ويُقدم التنمية البشرية والمهنية والفكرية» يشرح شباط.
يقول شباط، في المحصلة «هناك بعض المدارس التابعة لجهات ثورية أو لجهات مانحة حيادية، تُنظّم بين الفينة والأخرى زيارة لطلابها إلى المكتبة الدمشقية. لا أستطيع تعميم الأمر والمبالغة فيه، فواقع الحصار ما زال يفرض ذاته على كافة المستويات».