- Home
- مقالات
- رادار المدينة
نساء في الشمال السوري.. تحت وطأة النزوح وكورونا
تعاني النازحات في مخيمات الشمال السوري من انعدام مقومات الحياة، في حين زاد انتشار جائحة كورونا من معاناتهن جراء العيش في بؤر مهيأة لاستقبال الفايروس وانتشاره بسهولة، تزامناً مع غياب تام للإجراءات الصحية الوقائية، وغياب الماء والغذاء ووسائل التنظيف. وقد عبَّرت الكثيرات عن خوفهن من انتشار المرض بين أسرهن التي تفتقر لأدنى وسائل الحماية، وقلة الدعم الإنساني ووجود قطاع صحي مُنهَك في المنطقة، على اعتبار أن المرأة تتحمل ﺍﻟﻌﺐﺀ ﺍﻷﻛﺒﺮ ﻣﻦ ﻣﻬﺎﻡ ﺭﻋﺎﻳﺔ ﺍﻷﻃﻔﺎﻝ ﺑﻌﺪ ﺗﻔﺸﻲ ﻭﺑﺎﺀ ﻛﻮﺭﻭﻧﺎ .
أم عدنان (36 عاماً) نازحة من معرة النعمان إلى مخيم في بلدة كفريحمول، أم لخمسة أبناء تتحدث لـ“عين المدينة“ عن معاناتها في ظل كورونا بالقول: "فوق هموم النزوح جاءت أزمة فايروس كورونا الذي تفشى بالبلاد ليزرع الخوف في قلوبنا من خطر اقتحام الوباء للمخيم نتيجة الازدحام داخله وانعدام أدوات التعقيم“.
وتبيّن أم عدنان أنهم يحصلون على ﺑﻌﺾ المساعدات الغذائية وسلل النظافة بين الحين والآخر، ولكنها لا تكفي أبداً، ﺣﺘﻰ ﺍﻟﻤﺎﺀ ﻻ يحصلون ﻋﻠﻰ ﺣﺎجتهم ﻣﻨﻪ ﻟﻠﺸﺮﺏ ﻭﺍﻟﻐﺴﻴﻞ. ﻭﺗﻀﻴﻒ: “لا نستطيع شراء الكمامات والمعقمات، لأن جلَّ همنا يتركز على كيفية ﺗﺄﻣﻴﻦ ﺍﻟﺨﺒﺰ والحاجات الأساسية لاستمرار الحياة، ما يجعل ﻭﺿﻌﻨﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺨﻴﻢ ﺃﻛﺜﺮ ﺳﻮﺀﺍً". ويبدأ سعر الكمامة الواحدة في محافظة إدلب من ٢ ليرة تركية، بينما يصل سعر المعقمات إلى ١٥ ليرة تركية للعبوة الواحدة.
وإلى جانب تربُّص الوباء، تتحمل الكثير من النساء مسؤولية الإنفاق على أسرهن، ما يزيد من الأعباء والهموم الملقاة على كاهلهن، في ظل ندرة فرص العمل والغلاء وقلة الأجور.
أم إبراهيم (41 عاماً) من جبل الزاوية أرملة وأم لستة أبناء، نزحت مع أسرتها من بلدة احسم إلى مخيمات بلدة حربنوش، وتضطر للعمل مع ابنتها لتأمين قوت يومهم وعن ذلك قالت لـ“عين المدينة“: "إن بقينا في الخيمة كيف سنعيش! لذلك أعمل مع ابنتي في ورشة زراعية مقابل 20 ليرة تركية في اليوم، بالكاد تكفينا لتأمين المتطلبات الأكثر ضرورة، ونعيش في خيمة لا ترد عنا البرد أو الحر، كما يلاحقني الخوف على أولادي من المرض الذي بدأ ينتشر بسرعة في أوساط النازحين، لذلك أفكر بالعودة إلى بلدتنا رغم المخاطر التي تهددنا جراء تعرضها للقصف بين الحين والآخر، وبذلك أصبحنا أمام خيارين، إما البقاء في مخيمات مكتظة للغاية مع خدمات قليلة حيث يمكن أن يكون الانتشار المحتمل للمرض سريعاً ومهلكاً، أو العودة إلى بيوتنا مع احتمال تجدد المعارك حولها“.
تعتمد الكثيرات على أنفسهن في تأمين وسائل النظافة والكمامات لوقاية أطفالهن من الوباء بجهود شخصية وإمكانيات بسيطة.
محاربة الوباء بالكمامات هو كل ما تستطيع سعاد الحمادو (41 عاماً) تقديمه لأطفالها لإبعادهم عن الإصابة بالمرض.
وتؤكد سعاد النازحة من ريف سراقب إلى مخيم في بلدة كللي بريف إدلب الشمالي، أن خبرتها في الحياكة ساعدتها على تأمين كمامات لأطفالها دون الاضطرار لدفع مبالغ مالية لا قدرة لها على تحملها، وعن ذلك تتحدث لـ"عين المدينة“ بقولها: "أعمل خياطة داخل المخيم، لذلك أجمع الملابس القديمة والقصاصات وأقوم بتنظيفها وتعقيمها وأحيك من قماشها كمامات لأطفالي لارتدائها عند ذهابهم إلى المدرسة، وهي قابلة للغسيل، حيث أقوم يومياً بغسلها وتنشيفها على حبل موصول بين الخيمة وشجرة زيتون قريبة“.
أما فاطمة الدياب (50 عاماً) النازحة من بلدة سنجار إلى منطقة حارم، فتصنع الصابون في خيمتها من بقايا زيت الزيتون، وعن سبب ذلك تقول: "غلاء المنظفات وحاجتنا إليها يدفعني لصناعة الصابون وتوزيعه على عائلات أولادي الذين يقطنون في مخيمات مجاورة، وهذا كل ما نستطيع تقديمه لمحاربة المرض وإبعاده عن أنفسنا“.
تعاني الدياب من مرض في القلب، وتخاف على نفسها من الإصابة بفيروس كورونا، ولا تجرؤ على الخروج من خيمتها إلا للضرورة، وعن ذلك تقول: "رغم حاجتي مع كبار السن للرعاية الصحية تخلو المنطقة من المراكز الطبية، فنضطر لقطع مسافة تتجاوز 10 كيلو مترات للوصول إلى أقرب مركز صحي، رغم افتقارنا لوسيلة نقل“.
وتجدر الإشارة إلى أن ﻣﻌﻈﻢ ﺍﻟﻘﺎﻃﻨﻴﻦ ﻓﻲ المخيمات ﻧﺰﺣﻮﺍ ﻣﻦ أرياف ﺣﻤﺎﺓ ﻭﺣﻠﺐ ﻭﺇﺩﻟﺐ ﺑﺴﺒﺐ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺎﺕ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﻟﻘﻮﺍﺕ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﻭﺭﻭﺳﻴﺎ ﺇﻟﻰ أﻣﺎﻛﻦ أﻛﺜﺮ ﺃﻣﻨﺎً، للعيش في مخيمات تضم ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﻠﻴﻮﻥ ﻣﺪﻧﻲ، ﻭﻳﺘﻮﺯﻋﻮﻥ ﻋﻠﻰ 1277 ﻣﺨﻴﻤﺎً، ﺑﻴﻨﻬﺎ 366 ﻣﺨﻴﻤﺎً ﻋﺸﻮﺍﺋﻴﺎً، ﺑﺤﺴﺐ ﻓﺮﻳﻖ ”ﻣﻨﺴﻘﻮ الاﺳﺘﺠﺎﺑﺔ“.
وقد رصدت ”وحدة تنسيق الدعم“ 96 إصابة جديدة بوباء كورونا في شمال غرب سوريا بتاريخ 28 من شهر تشرين الثاني الفائت، ليرتفع إجمالي عدد الإصابات إلى 15515، فيما وصل عدد الوفيات إلى 152 حالة. ويتم إرسال المسحات من المراكز الصحية إلى مختبر الترصد الوبائي في مدينة إدلب لإجراء الاختبارات، وعندما تكون النتيجة إيجابية يتم تخيير المريض بين الانتقال إلى مراكز العزل المنتشرة في إدلب، أو الذهاب إلى المنزل لتطبيق العزل المنزلي ومراجعة إحدى المستشفيات عند الحاجة.
وسط كل تلك الظروف، وجدت النساء النازحات في الشمال السوري أنفسهن محاصرات بين الحرب والوباء الذي ضاعف الأثقال والمهام الملقاة على عاتق المرأة، من خلال ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﺄﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﺮﻋﺎﻳﺔ ﺍﻷﺳﺮﻳﺔ، ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ ﻟﻌﻤﻠﻬﺎ ﺧﺎﺭﺝ ﺍﻟﺒﻴﺖ لإعالة أسرتها ﻓﻲ ﻣﺨﻴﻢ ﺗﻬﺘﺰ ﺃﺭﻛﺎﻧﻪ ﻣﻦ ﻫﺒﻮﺏ ﺍﻟﺮﻳﺎﺡ، ﻭﺗﺘﺒﺪﻝ ﻇﺮﻭﻓﻪ ﺣﺴﺐ ﺧﻂ ﺳﻴﺮ ﺍﻟﻤﻘﺎﻳﻀﺎﺕ ﺍﻟﺪﻭﻟﻴﺔ ﻭﺍلأوضاع ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ، والمعاناة من عدم انتظام إمدادات المياه والنقص الكبير في البنية التحتية الطبي.