- Home
- مقالات
- رادار المدينة
نباهة أمين الفرعأوالبعث أولى بكم
بعد أن تم وأد مؤامرة ربيع دمشق في أواخر عام 2001 من قبل القائد الشاب الواعد بشار الأسد، واعتبار المجتمع المدني استعماراً جديداً وفق تصريحات رسمية للسيد عدنان عمران وزير الإعلام حينها؛ حاول النظام التأكيد على أن مسيرة الإصلاح مستمرة رغم ذلك. ومن أجدر بهذه المهمة، بعد أن ازدادت أعباء الدكتور، من زوجته المصون، البريطانية الجميلة أسماء الأسد.
على الفور باشرت السيدة الأولى بحملة تروج فيها للتحديث والتطوير، فمرة توجه بالاستغناء عن اللباس العسكري لطلبة الثانوية، لتزيل بذلك العفن عن ثياب وقلوب اليافعين، ومرة تدعم دور الشباب فتناصر مجلة «شبابلك» التي كان رئيس تحريرها، الناشط المثقف الأكابري إياد شربجي، على قدر المسؤولية المناطة به فلم يضيّع أدنى نشاط للسيدة الأولى دون أن يغطيه، حتى لو كان حضورها عرس صديقة، ومرة تعمل على تغيير قانون الأحوال الشخصية بآخر يعطي حقوقاً أوسع للمرأة، فيتصدى لها الشيخ المدماع الذي لا يخاف في الحق لومة لائم، العالم الرباني الفيلسوف الداعية محمد سعيد رمضان البوطي قدس الله سره، فيحفظ بصموده بيضة الدين ويصون أعراض المسلمين.
إلا أن ذلك الواقع المتخلف لم يثبط عزيمة إيما ونزعتها التحررية، فأطلقت عدداً من الجمعيات الأهلية (لاحظوا أهلية وليس مدنية، فالأولى وطنية والثانية استعمارية). فصدحت أنغام جمعية «مسار»، وتألقت هالة جمعية «المورد»، وأشرقت جمعية «بسمة» كشمس الظهيرة. ولم تمض أعوام قلائل إلا وأثمرت الجهود المضنية للسيدة الإنسانة، فأصبحت أيقونة في عالم التطوع، تباري الليدي ديانا شهرةً وتفوق الأم تيريزا إحساساً وحنوّاً. فهي، بحسب شهادة رئيسة جمعية نسوية في دير الزور آنذاك، راقية ومتواضعة في آن واحد، وأكبر دليل تذكره رئيسة الجمعية على ذلك أن السيدة الأولى شربت كأس ماء تناولته من الطاولة مباشرة، بل زادت على ذلك فازدردت رشفة من الشاي مع عضوات الجمعية حتى بانت حنجرتها من خلف رقة جلد عنقها الممشوق.
في تلك الأجواء المبشرة، وفي سحابة صيف 2005، عزمت مجموعة من شباب وشابات دير الزور على إنشاء جمعية شبابية، مستفيدين من حالة الانفتاح التي تعيشها البلاد ومن الدعم اللامتناهي المقدم من القيادة الحكيمة ممثلة في شخص السيدة الأولى. وبالفعل، لم تكد تمضي سنة ونصف السنة بعد الاجتماع التأسيسي للجمعية، قامت فيها الجهات الأمنية بستة أو سبعة مسوحات واستدعاءات للأعضاء المؤسسين، حتى هلت الموافقات سريعاً من الجهات الحامية للبلاد، والتي لولاها لما كان لأخت القبضاي أن تعود في الساعة الثالثة ليلاً آمنة غانمة. ولم يبق للإعلان الرسمي عن الجمعية إلا بضع موافقات من جهات مدنية (فرع حزب البعث العربي الاشتراكي؛ المحافظة؛ وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل).
وهنا تحدث المفاجأة فتُرفض الجمعية من قبل فرع الحزب، مع أن موافقته روتينية في العادة بعد موافقة الأمن. ونتيجة الطبيعة الاجتماعية والعلاقات العائلية المتشابكة لسكان مدينة دير الزور تمكن مؤسسو الجمعية، في أواخرعام 2007، من ترتيب موعد مع أمين فرع الحزب، والذي تفضل، رغم مشاغله الكثيرة، بقبول اللقاء بهم (كمثال على حجم مشاغل من يتقلدون هذا المنصب، أربعة شوالات من التقارير لم تقرأ بعد وجدها الجيش الحر في مبنى الحزب بعد معركة تحرير الحويقة). وبعد أن أهّل الأمين وسهّل بزواره، استهل الكلام بصوت جهوري قائلاً: «رفاق.. رفيقات، تسعدني روح المبادرة لديكم. لقد اطلعت على ملفاتكم ووجدت أنكم جميعاً من الرفاق البعثيين (وكأن هناك شاب سوري ليس منتسباً إلى الحزب)، وأرى أن البعث أولى بكم من أي تشكيل آخر. ورغم أنكم نصراء فحسب إلا أنه بمقدوركم أن تمارسوا أي نشاط ترغبون فيه من خلال الحزب ومنظماته الرديفة. وأعدكم شخصياً -في حال وافقتم- أن تجدوا كل التسهيلات اللازمة لعملكم».
في أواخرعام 2012 كان قد استشهد شمس الدير -محمد العسكر- أمين سر جمعية «شباب الفرات» الممنوعة -بعد أن صار عضو اتحاد تنسيقيات الثورة- خلال هجوم شنه الحرس الجمهوري على مدينة دير الزور، واستشهد الدكتور أحمد الفتيح، أحد مؤسسي الجمعية -بعد أن صار عضو اتحاد الأطباء الأحرار- إثر قصف استهدف طريق المشفى الميداني في معضمية الشام.
وفي أواخر 2015 تم انتخاب السيد رياض حجاب -الأمين السابق لفرع الحزب في دير الزور وصاحب الوعد أعلاه- رئيساً للهيئة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة السورية.