- Home
- مقالات
- رادار المدينة
مواجهة الغلاء في رمضان إدلب .. بين هموم الرجال وتفاؤل زوجاتهن
تتجول السيدة أم وائل 46 عاماً بين رفوف البضائع في إحدى المولات التجارية بريف إدلب، دون سلة المشتريات. تكتفي بتحويل الأسعار من الدولار إلى الليرة التركية لمعرفة سعرها، وتحاول جاهدة أن تجد بضاعة بثمن أقل تمكنها من إعداد مائدة مميزة.
تقول: "قبل أعوام عدة في مثل هذه الأيام، كان كل ما يشغل بالي هو الإعداد لاستقبال رمضان، أما شراء الحاجيات من التمر واللحوم والتحضير لصنع المشروبات هي المهمة التي كان يؤديها زوجي".
تتولى أم وائل وهي أم لثلاثة بنات، شراء حوائج البيت، بينما ينشغل زوجها سحابة نهاره في عمله على بسطة ألبسة في إدلب، وبحسب أم وائل فإن "يومية" زوجها لا تتجاوز 60 ليرة في أحسن الأحوال. "لو أن زوجي مكاني لهرب من لهيب الأسعار... أنا لا يمكنني أن أعود خالية الوفاض".
وبينما تكثف الزوجة رحلاتها إلى السوق والمحال التجارية للبحث عن بضائع جيدة وبأرخص ثمن، يلزم أبوسعيد 28 عاماً مهجر من الغوطة ويقيم بإدلب، نفسه في شهر رمضان بقائمة ممنوعات، بهدف توفير النفقات قدر المستطاع "اللحمة والخضار المستوردة والمشروبات التي تحتاج إلى السكر، والذهاب إلى السوق قبيل الإفطار لتجنب مناظر وروائح الأطعمة المغرية" يوضح الرجل.
يحاول أبو سعيد أن يتجنب سؤاله الاعتيادي لزوجته قبل مغادرة المنزل "بدك شي"، لكي لا يقع بالحرج في حال لم تكتفي الزوجة بالرد بعبارة "سلامتك".
يقول "شهر رمضان بات حملاً ثقيلاً، الإمساك عن الطعام والشراب طيلة النهار يجعلك مجبراً على التفكير بأطباق الإفطار، والتي لا يعقل أن تكون سندويش مكدوس أو صحن بيض مقلي" كما هو الحال عادةً. ويضيف أبو سعيد الذي يعمل في معمل لصناعة الطوب بأجرة يومية لا تتجاوز 40 ليرة، "أحاول أن أقنن بالنفقات لأستطيع تأمين تكلفة طبخة كل يومين أو ثلاثة في رمضان".
في مدينة إدلب تتراجع حركة الأسواق بشكل ملحوظ، بينما تتكدس البضائع على أبواب المحال والمراكز التجارية، والتي تحاول أن تجذب الزبائن عبر طرحها للعروض وتقديم البضائع بأرخص ثمن ممكن "إلا أن أسعارها المرتفعة، تبقى ثقيلة على الزبون مهما حاولنا" يقول أبو محمد صاحب محل تجاري في بلدة سرمين.
ويضيف: "ارتفعت أسعار البضائع من المصدر، فسعرها بالدولار قد ارتفع، ولم يعد الغلاء مجرد فرق عملة".
بشكل تدريجي وغير معقول أحياناً تواصل أسعار معظم السلع الغذائية الارتفاع، بسبب تراجع قيمة صرف الليرة التركية العملة المتداولة في إدلب أمام الدولار، إضافة إلى أزمة الوقود العالمية بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، كما أدى فقدان بعض المواد الأساسية من الأسواق خلال الفترة الماضية إلى ارتفاع سعرها بشكل كبير يصل للضعف في بعض الأصناف.
فسعر كيلو السكر الذي تراوح بين 9 إلى 11 ليرة قبل شهر تقريباً، بات يسجل 13.5 ليرة، وسعر ليتر زيت القلي ارتفع من 27 إلى 33 ليرة وأكثر بحسب سعر الصرف. كما قفزت أسعار الخضار متأثرة بارتفاع أجور النقل، وموجات الصقيع الأخيرة التي ضربت المنطقة وتسببت بإتلاف محاصيل عدة.
ويصف أبو محمد حركة البيع بـأنها متجمدة وكأنها لا تزال متأثرة بفصل الشتاء القاسي، موضحاً "الشتاء الطويل أفرغ جيوب الأهالي، كما أن الدخل لا يتناسب مع الأسعار".
ويقول أحمد عبد الرحمن ناشط إعلامي في إدلب، أن حركة الأسواق مختلفة كلياً عن السنوات السابقة، لافتاً إلى أن البضائع التي يطلبها الأهالي قبيل رمضان لم تختلف عن باقي الأيام وهي المواد التموينية (سكر برغل رز وزيت وسمنة و..و..).
يتابع عبد الرحمن أن الحاجات الأساسية صارت محتاجة لميزانية إضافية ليتمكن الأهالي من تأمينها، لذلك يمتنع معظم الأهالي عن التفكير بشراء حاجات غيرها. ويشير إلى أن الأجبان والألبان وهي أحد الأطباق الرئيسة على وجبة السحور خلال شهر رمضان، لم تعد تعتبر خياراً جيداً بعد أن قفزت أسعارها للضعف مع اقتراب رمضان.
كما تبدو ثقافة التخزين غائبة أو مغيبة بسبب ارتفاع الأسعار. "أول بأول" يقول عبد الرحمن مردفاً "تلك السياسة التي يشتري بها الأهالي حاجياتهم الأساسية، وهي بقدر ما يحتاجه يومهم".
قلة الموارد وارتفاع الأسعار والهموم المعيشية، تشغل عادة حيزاً كبيراً من تفكير الرجل، لا سيما في الأوقات التي تتطلب مصاريف إضافية كما هو الحال مع شهر رمضان، إلا أن للسيدات رأياً مختلفاً. فرغم شح المواد على رفوف مطبخها تصر هدى 22 عاماً على صنع البهجة خلال أيام الشهر الفضيل.
تقول هدى أنها تشعر بالبركة مع دخول شهر رمضان، وقد أعدت قائمة بأنواع الطبخات التي ستقدمها لعائلتها طيلة أيام الشهر "لا يهم نوعية الطبخة، يكفي أن نقدمها بطريقة مختلفة عن الأيام العادية" توضح السيدة.
لدى هدى وهي ربة المنزل فكرة جيدة عن ارتفاع الأسعار وضيق حال زوجها الذي يعمل مدرساً متطوعاً ولا يتجاوز راتبه الشهري 1200 ليرة. وتقول أنها بدأت بتوفير بعض النقود منذ شهرين تقريباً لكي تعتمد عليها مع دخول شهر رمضان "سفرة رمضان يجب أن تكون مميزة، بخلاف طبخات باقي الأشهر".
"قلها يا مرتي اطبخي طيب... قالت يا زلمة كتر قدام" تستحضر السيدة هاجر المثل الشعبي، والذي يحمل الرجل مسؤولية الطبق الجيد والمقترن بإضافة اللحمة بكثرة. وتبتسم مدارية خجلها وهي تقول: "لا أستطيع أن أطلب من زوجي شراء اللحمة أو أن ألزمه بما لا يطيق". اضطر زوج السيدة الذي كان يعمل بالزراعة إلى ترك عمله، بعد أن نزحت العائلة من قريتها بريف حماة وانتقلت للعيش بمدينة بنش بريف إدلب.
تحمّل هاجر نفسها مسؤولة تقديم أطباق رمضانية مميزة للعائلة، محاولةً أن تجد فسحة سعادة وتضفي على الشهر الفضيل أجواءه المميزة. وتقول "يمكنني الاستغناء عن لحم الضأن بلحم الدجاج الأرخص ثمناً، كما يمكن استخدم بهارات تحمل نكهة الدجاج بديلاً عنه".
وتعتاد غالبية النساء في إدلب على إعداد أطباق متنوعة في شهر رمضان، وتضطر كثيرات منهن مع موجة الغلاء إلى الإكثار من صحون السلطة والمقبلات فهي ذات تكلفة قليلة مقارنة بالوجبات الرئيسة، كما يساهم تبادل صحون الطعام بين الجارات في إضفاء تنوع على موائد رمضان.