- Home
- مقالات
- افتتاحية العدد
مهرجو العودة.. وأوهام استعادة التاريخ
بعيد إكمال النظام سيطرته في جزء من محافظة دير الزور في الفترة القريبة الماضية، تعالت أصوات هنا وهناك تدعو النازحين في مناطق سيطرة «قسد» ومناطق سيطرة الجيش الحر في إدلب وحلب، ثم اللاجئين في تركيا إلى العودة. وكحال أيّ جماعة بشرية تعرضت لاضطهاد طويل، ستكون هناك أنفس ونوايا تعايشت معه واعتادت عليه وتماهت به، فظهر بين النازحين من أصغى لهذه الدعوات بمبررات شتى، تبدأ بفرضية انتصار النظام وعبثية الوقوف ضده، وتنتهي بجزم مغرض أنّه كان في الجانب الحق من الصراع.
نشّط النظام أذرعاً خفية ومعلنة زرعها في أوساط معارضيه، لإعاة إثارة جدل اجتماعي حيال قضية كانت حسمت منذ وقت طويل، بأن لا خضوع مجدداً لسلطة الأسد. وفي الآن ذاته دفع النظام مهرجين سمّاهم شيوخ عشائر وأعضاء في مجلس شعب، وآخرين غيرهم تم تصعيدهم من القاع، وسماسرة حرب و«عقلاء يريدون مصلحة الناس ورجوعها إلى بيوتها بعد تشرد مرير».
لا ينظر النظام إلى النازحين واللاجئين إلا بوصفهم متمردين عصاة، ولا يفهم المصالحة معهم إلا بكونها استسلاماً وتوبة، يقابلهما عفو يشترط رضوخهم المطلق لطاعته مجدداً؛ مع ما يعنيه هذا من التنازل الأبدي الصاغر عن المطالبة بأي حقوق سلبت منهم قبل الثورة وخلالها، وعليهم أن يقبلوا فناءها هذه المرة أيضا وإلى الأبد، وأن ينقلبوا إلى مدافعين عنه فعلاً ودماً بدفع أبنائهم للالتحاق بجيشه أو الانتساب إلى ميليشياته قيد التأسيس.
ينبني هذا الوهم القامع برمته على افتراض من النظام، أنّ كل شيء تقريباً في هذه المرحلة بات على ما يرام، و أنّ الحال السوري سيعود إلى ما كان عليه قبل العام 2011. لكنّ أيّ جردة سريعة لتفاصيل المشهد السوري حتى السطحية منها، ستوضح استحالة تحقق هذه الفرضية. فميدانياً، عاد داعش الذي تسارعت إعلانات الأسد وحلفائه بالانتصار عليه، ليظهر دون منطق متاح للتبرير والفهم كالعادة في أكثر من بقعة سورية، ومازال يمثل تهديداً لمدينة دير الزور ذاتها، وهو عملياً على تخوم الميادين والبوكمال. وسياسياً، يترنح مؤتمر سوتشي الذي خطط له أن يكون استبدالاً روسياً لمسار جنيف الأممي بين تأجيل وتأجيل، وبين هزال قائمة المدعوين التي لا تجد من يشغلها.
في واقع شديد السيولة كهذا، لن يمكن لأماني بعض من تراودهم رغبة العودة إلى حضن النظام أن تحقق انتشاراً، لأنّ الناس تعرف أنّ أجهزة القمع والانتقام والنهب لن تتركهم وشأنهم، فالنظام بلغ في توحشه العاري حداً لا يمكنه إخفاؤه ولا التعايش معه.