- Home
- مقالات
- رادار المدينة
مهجّرو حلب
(مقيم؛ نازح؛ مهجّر) تلك التقسيمات الجديدة التي يوسم بها أهالي مدينة حلب، بحسب تاريخ خروجهم منها، لتوزع عليهم في بعض الأحيان «كروت» زهرية أو صفراء أو زرقاء، بحسب الصفة التي يحملونها في مناطق وجودهم الجديدة، في محافظة إدلب وبعض مدن وقرى الريف الغربي لمحافظة حلب.
معظم الذين التقتهم «عين المدينة» من المهجرين يعانون ظروفاً حياتية قاسية، مع ارتفاع أسعار الإيجارات وغياب المساعدات الإنسانية، و«النظر إليهم كمواطنين من الدرجة الثانية وحتى الثالثة في المناطق التي استقروا فيها»، على حد قول الكثير منهم.
حصة إغاثية واحدة خلال تسعة أشهر
شمس الدين الحداد، أحد مهجري مدينة حلب، قال لـ«عين المدينة» إن حصة إغاثية واحدة كانت نصيبه ونصيب عائلته، المكونة من سبعة أشخاص، منذ استقراره في قرية أورم الكبرى في كانون الأول 2016. الأمر الذي أكده لنا بإبراز كرته الزهري (الذي يعني أن صاحبه من مهجري مدينة حلب)، يظهر استلامه حصة واحدة من جمعية «الإحسان» الخيرية. ومن خلال بحث عشوائي في القرية على منازل بعض المهجرين استطعنا رؤية 17 كرتاً مشابهاً، كل أصحابها لم يحصلوا إلا على مساعدة طوارئ -كما أسموها- من جمعية «الإحسان» منذ قدومهم، بالإضافة إلى عدد من العائلات التي خلا كرتها من أي مساعدات، فيما وجدنا بعض الكروت التي حصل أصحابها على مساعدة تدفئة فقط من منظمة «القلب الكبير»، أو مساعدة إغاثية من منظمة «الأيادي البيضاء».
في الوقت نفسه قال أبو حسن، أحد نازحي حلب الساكنين في أورم الكبرى، إنه حصل على مساعدات دورية، وخاصة خلال الأشهر الستة الأولى من سكنه، بمعدل حصة أو حصتين كل شهر، بالإضافة إلى التدفئة ومبلغ 100 دولار قدمته منظمة «دار» للمهجرين من المدينة.
يأخذ المجلس المحلي في أورم الكبرى على عاتقه مهام توزيع المساعدات الإنسانية على المهجرين في القرية، ويربط عمل المنظمات بعمله، فلا يسمح للمنظمات العاملة أو المنفذة لمشاريع مساعدة المهجرين بالتوزيع إلا من خلاله، على حد قول الأستاذ عبد الرحيم عبد الرحيم، رئيس مكتب المراقبة والتقييم في مجلس أورم المحلي، الذي قال لنا: «هناك 365 عائلة مهجرة في القرية، و400 عائلة نازحة، قام المجلس بإحصائها ومعرفة أماكن سكنها وعدد أفرادها. ونظم عمل المنظمات بحيث تقدم المساعدات إلى المجلس الذي يوزعها، مع المنظمات، على المستفيدين». كما قام «بتأمين السكن دون إيجار للمهجرين من حلب، لمدة أربعة أشهر، وقدّم المساعدة لهم ضمن إمكانياته».
وقال عضو المجلس المحلي: «من المستحيل أن تكون هناك عائلات لم تستفد من المساعدات المقدمة من المنظمات إلا مرة واحدة!». وعزا السبب إلى أن هذه العائلات ربما تركت القرية مدة ثم عادت، ولم تكن موجودة أثناء التوزيع. وأضاف: «كشف المجلس بعض العائلات التي تستفيد من أكثر من منطقة وجمعية، وتم توزيع حصتها على مستفيدين آخرين»، ولتلافي هذا الأمر تم ختم الكروت بختم ثان يؤكد وجود المستفيد في القرية وعدم مغادرته. كما تم إنشاء مكتب في المجلس باسم «شكاوى ومساعدة المواطنين»، يستقبل جميع الشكاوى ويفرزها حسب نوعها ويعمل على متابعتها وحلها، إذ خصص لكل مكتب من مكاتب المجلس يوماً يقوم فيه رئيس المكتب بمتابعة شكاوى المواطنين.
وبالعودة إلى كروت بعض العائلات وجدناها تحمل ختمي مجلس أورم الكبرى، كدليل على عدم مغادرتها القرية، وبالرغم من ذلك لم نجد فيها إلا حصة إغاثية واحدة. كما أكد لنا شمس الدين أنه لم يغادر القرية منذ دخوله إليها، وكذلك أبو أحمد الذي قال: «راجعت المجلس أكتر من مرة، وكل مرة كانوا يقولولي ما لك حصة ولسا ما أجى دورك»، أما شمس الدين، فقد قال: «ما حدا بيرد علينا في المجلس، لله الأمر!».
مصطفى عاصي، رئيس المكتب الإغاثي في مجلس أورم المحلي، قال: «هذه الكروت فقط للتمييز بين المهجرين والنازحين وبين أهالي القرية، ولا تسجل فيها الحصص الإغاثية للمستفيدين في كثير من الأحيان. وعندما تكون لدينا خمسون حصة، أو مائة، فإننا نراعي التسلسل حسب الأرقام، ما يؤدي إلى اتهامنا. فبعضهم يأخذ حصة إغاثية وفي المرة الثانية نوزع للأرقام الأخرى، وقد يكون المحتوى مختلفاً، فيقدم شكوى للمجلس لأنه لم يأخذ من هذه الحصة، وهكذا. وفي الأشهر الثلاثة الأخيرة كانت المساعدات قليلة من المنظمات»، وأوضح رئيس المكتب الإغاثي إن جميع الحصص مسجلة، «ونحن على استعداد للوقوف على كل شكوى تخص عملنا».
في الأتارب لا كروت ولا حصص
يختلف الحال في الأتارب عنه في أورم الكبرى. فالمجلس المحلي في المدينة لا يتدخل في عمل المنظمات بل توزع هي الحصص الإغاثية بنفسها. ولا توجد في الأتارب آلية كتوزيع كروت للمهجرين، البالغ عددهم 750عائلة بحسب الإحصاءات الموجودة في المجلس المحلي.
محمد الفاتح، من مهجري مدينة حلب الساكنين في الأتارب، قال: «لم تأت أي منظمة إلينا. سجلنا في الكثير من المنظمات ولكن لم يصلنا شيء. بعض الناس يأخذون الكثير من الحصص، ولا توجد عدالة في التوزيع». بينما يقول محمد الشامي، وهو أب لستة أطفال: «في الأتارب عليك أن توزع أطفالك أمام أبواب الجمعيات والانتظار حتى قدوم المساعدات لتحصل على حصة إغاثية».
الأستاذ طاهر عكوش، رئيس المكتب المالي في مجلس الأتارب، قال «استقبلت مدينة الأتارب، والقرى المحيطة بها، المهجرين في الفترة الأولى لخروجهم، وفتحت مراكز لإيوائهم، واستعانت بالأهالي الذين استضافوا مهجرين في بيوتهم، ضمن الإمكانيات. ولم تقدم الحكومة والمحافظة أي مساعدة، بل اكتفت بزيارة قام بها رئيس الحكومة ووزير الصحة للمراكز، واعتذروا للمجلس المحلي إذ ليست لديهم الإمكانية لتقديم أي شيء للمهجرين، شاكرين المجلس والأهالي على ما قاموا به».
وأضاف عكوش: «لم تقدم المنظمات شيئاً للمجلس، بل وزعت المساعدات على المستفيدين بشكل مباشر، وقدم لها المجلس المساعدة من خلال الإحصاءات وبعض الآليات».
وقال: «الأتارب ليست قرية صغيرة، فعدد سكانها 35000 نسمة، ومع المهجرين بلغت 60000 شخصاً، ولا يستطيع المجلس تحمل أعباء زائدة. إرضاء الناس غاية لا تدرك، ومهما فعلنا سنبقى متهمين في نظرهم، ولذلك لم نتدخل في عمل المنظمات. اكتفينا كمجلس بتقدمة الخدمات الأساسية كالماء والنظافة، وحتى في هذه نعاني في الحصول على رسم الخدمات الرمزي البالغ 1000 ليرة».
وتساءل رئيس المكتب المالي: «هل من المعقول أن مجلس مدينة حلب لم يحصل على أي مساعدات للمهجرين من المنظمات والمؤسسات الداعمة؟!».
مجلس مدينة حلب الغائب
حمّل الأستاذ عكوش مجلس مدينة حلب المسؤولية الأكبر عن غياب التنظيم وسوء التوزيع والظلم الحاصل على بعض المواطنين، إذ لا توجد مكاتب لهذا المجلس في المدن والقرى الأساسية التي يعيش فيها مهجروه. وقال عكوش: «تواصل مجلس مدينة حلب معنا لتقديم غرفة له داخل المجلس، وبالفعل تم إعطاؤه ما طلب، بالإضافة إلى الإحصاءات والسجلات، ولكنهم لم يأتوا ولم يشغلوا الغرفة ولم يعينوا أي موظف مسؤول عن المهجرين وتنظيم عمل المنظمات التي تعنى بهم».
وتمنى عكوش على مجلس حلب أن ينشئ مكتباً خدمياً للمهجرين، لتخفيف العبء عن مجلس الأتارب من جهة، ولأن مجلس المدينة أدرى بالأشخاص وأكثر قدرة على التعامل معهم من جهة أخرى.
محسوبيات في المجالس، وأهل حلب زناكيل
قال بلال أبو عمر، أحد أعضاء فريق منظمة «دار»: «بدأت المشكلة بعد ثلاثة أشهر من خروج المهجرين، حين توقفت بعض المنظمات، كمنظمة «ميرسي كور» ومنظمة «بيبول إن نيد» عن تخديمهم، ووقعت باقي المنظمات في عجز عن تخديم جميع العائلات. منظمة «دار» تخدم ثلث المهجرين، ونعمل على تلافي هذا العجز من خلال تقسيم الحصة الإغاثية على عائلتين».
وبحسب أبو عمر تعاني المنظمات من «تحكم المجالس المحلية التي ترفع القوائم بناء على المحسوبيات»، كما ظهرت في الفترة الأخيرة «المناطقية»، عندما طالبت أربعة مجالس محلية منظمة «دار» بنسبة من الحصص الإغاثية المقدمة للمهجرين لقاء السماح لها بتخديمهم، على حد قول بلال الذي أوجز المشكلة بـ«توقف بعض المنظمات، وتقصير بعضها، وعدم التنسيق بين الجمعيات والمنظمات والمجالس المحلية. بالإضافة إلى ضعف هذه الأخيرة وقلة خبرتها في العمل المدني، والطابع المناطقي والقبلي الغالب على معظم المكاتب الموجودة».
وأكد أبو عمر أن «المجالس المحلية تسجل الحصة مباشرة على الكرت الزهري عند التوزيع، فكل كرت غير مسجل عليه يعني أن صاحبه لم يستفد من الحصة الإغاثية».
وقال خالد الحموي، مدير العلاقات العامة في جمعية «شباب النهضة»: «الكثير من المجالس المحلية تدرج عدداً من أسماء أهالي القرى والبلدات ضمن اللوائح المخصصة للمهجرين، بنسبة قد تصل إلى 50%، أثناء تنفيذ المنظمات لبعض مشاريع المساعدات، وذلك لإرضاء الأهالي».
وأضاف الحموي: «معظم الذين يعملون في مكتب المراقبة والتقييم يكونون من أهل تلك القرى، ولذلك يتم التغاضي عن مثل هذه الأخطاء».
من جهته يقول درغام حمادي، رئيس مجلس حيّ كرم الخياطة سابقاً، وأحد المهجرين من مدينة حلب: «تصل المساعدات في الغالب إلى غير مستحقيها، وهناك الكثير من الظلم في التوزيع، كما أن هناك نظرة إلى المهجرين كمواطنين من الدرجة الثانية في الكثير من المناطق».
وبحسب حمادي هناك حالة استياء تطال المنظمات التي تعنى بالمهجرين، وشكاوى ترد إلى المجالس المحلية بعدم أحقية هؤلاء في الحصول على المساعدات، فـ«أهل حلب زناكيل ومو بحاجة».
توزيع منظمة دار - ريف حلب الجنوبي - خاص