- Home
- مقالات
- رادار المدينة
معظم أطفال مخيم الركبان بلا تعليم.. مدارس أهلية بسيطة وغياب المنظمات
يحثّ أحمد الخطى باتجاه ورشة والده لإصلاح كهرباء السيارت، بعد انتهاء دوامه المدرسي كل يوم، ليقدم له العون من أجل تأمين قوت يومهم في مخيم الركبان على الحدود السورية مع الأردن، بالتزامن مع متابعة تعليمه في مدرسته ليعوّض ما فاته بعد انقطاع عنه لمدة عامين، منذ نزوحهم الأول من مدينة تدمر بريف حمص الشرقي، لكنه أفضل حالاَ من باقي الأطفال.
الطفل أحمد كان في الصف الثاني الابتدائي من المتفوقين في مدرسته بتدمر، قبل منتصف 2015، لكن نزوح عائلته بعد سيطرة تنظيم «الدولة الإسلامية» وقتها على مدينتهم، والذي استمر لنحو عامين من التنقل بين العديد من المدن والبلدات بمناطق متفرقة انتهى باستقرارهم في مخيم الركبان- فرض عليه الانقطاع عن التعليم لحين افتتاح مدرسة «البيت التدمري» مطلع العام الفائت بالقرب من حيّه الذي تقطن به مئات العائلات المنحدرة من مدينة تدمر، في المخيم الذي يصل عدد ساكنيه إلى 90 ألف نازح معظمهم من مدينتي تدمر والسخنة في حمص، ومن القرى والتجمعات السكانية في بادية الشام، إضافة لنازحين من المحافظات الشرقية وحماه.
يأبى أحمد شاهين ذو العشرة أعوام إلا أن يكون له دور في تحمل أعباء المعيشة القاسية هناك، رغم حداثة سنه، ويقول عن سبب ذهابه إلى الورشة «إنّ والدي مصاب بالديسك في رقبته وظهره، ولا بد لي من مساعدته، فأنا أكبر أخوتي الأربعة، رغم تحذير والدي من تراجعي في الدراسة، وربطِ ذلك بمنعي من العمل، وهذا ما يدفعني للمثابرة في الدراسة لأجل استمراري في مساعدته بالعمل».
ويطمح أن يُكمل تعليمه ليكون طبيباً ناجحاً في المستقبل من أجل أن يعمل في المنظمات الطبية لمعالجة النازحين واللاجئين في المخيمات بكل مكان في العالم، متمنياً أن يعود إلى مدينته ليرى منزله الذي ترعرع به وأصدقاء طفولته من أبناء حيّه، بعد أن فرّق النزوح شملهم.
مدارس بدائية بجهود أهلية
يُعدّ الركبان من المخيمات العشوائية التأسيس، لكن هذه العشوائية لم تُفلح بالتفريق بين تجمعات خيام النازحين وفقاً لانتماءاتهم العشائرية أو حتى المناطقية، التي حكمت تلك العشوائية وخلقت لها منطقاً اجتماعياً، وعلى هذا الأساس تنافست مكونات المخيم على إنشاء مدارس من الخيام أو بناء الطوب الطيني، وفق انتشار هذه المكونات، فهناك «مدرسة الخالدي» التي تقع وسط خيام نازحي عشيرة بني خالد بإدارة معلمة تنتمي لذات العشيرة، وكذلك مدرسة «البيت التدمري» والتي تُديرها معلمة منحدرة من مدينة تدمر، إضافة لمدرسة «أبناء مهين» التي تتوسط خيام نازحي بلدة مهين.
«فللتعليم قدسية لدى السوريين بشتى انتماءاتهم العشائرية أو الحضرية»، وفق محمود زكريا منسق أعمال مدرسة «البيت التدمري» التي بلغ عدد طلابها نحو 640 طالباً وطالبة، والذي أكد أن «هذا التوجه في تسمية مدارس المخيم لا يدل على التعصب للقبيلة أو المنطقة من مؤسسيها، فهي متاحة لكافة أبناء نازحي المخيم مجاناً، رغم عدم حصولها على دعم المنظمات المعنية». ويُشير زكريا بحديثه إلى وجود عدد من المدارس التي لا تحمل أسماء المناطق أو العشائر، كمدرستي «براعم الأمل» و «جسور الأمل» المدرسة الوحيدة في المخيم التي تتلقى التمويل من منظمة إنسانية تحمل ذات الاسم.
دور اليونسيف وغياب المنظمات المعنية
مديرة البرامج والقوى البشرية في شركة (عالم أفضل)، المعنية بإيصال دعم منظمة اليونسيف فرع الأردن من (المناهج والقرطاسية) إلى مدارس مخيم الركبان، صفاء سراج تلاحظ ازدياد عدد الفصول الصفية في المخيم حتى الخمسين، وكذلك ارتفاع أعداد الكوادرالتربوية لنحو 125 معلماً ومعلمة هذا العام، وذلك بعد تقديم اليونسيف المنهاج التعليمي للمرة الأولى هذا العام لـ 2800 طالباً وطالبة، إضافة لتقديم القرطاسية للعدد ذاته في وقت لاحق.
ويشمل «منهاج اليونسيف» كتب (اللغة العربية، الإنكليزية، الرياضيات، العلوم، الجغرافية، التربية الدينية) للمرحلة الابتدائية، وهي كتب مُختصرة قياساً بالمنهاج السوري، لذلك يعمد المعلمون أحياناً لاعتماد بعض الكتب من المنهاج التربوي السوري إضافة لكتب اليونسيف.
وتجاوز عدد الأطفال الملتحقين بالمدارس ضمن المخيم مؤخراً الـ 4713 طالباً وطالبة وفق سراج، مشيرة لاقتراحهم مؤخراً إنشاء مدارس جديدة تقوم باستيعاب الفصول الصفية حديثة المنشأ بالمخيم، والسعي لتأمين الحد الأدنى من أجور المعلمين لمساعدتهم على الاستمرار والعطاء ضمن الظروف القاسية التي يكابدونها في المنطقة، ومن أجل تنظيم العملية التربوية هناك.
وتضمن المادة 26 من ميثاق الأمم المتحدة لحقوق الإنسان حق أفراد المجتمع بالتعلم، حيث جاء فيها أن «لكلِّ شخص حقٌّ في التعليم. ويجب أن يُوفَّر التعليمُ مجَّانًا، على الأقل في مرحلتيه الابتدائية والأساسية. ويكون التعليمُ الابتدائيُّ إلزاميًّا»، وعلى الرغم من هذا الحق إلا أن المخيم يشهد غياباً ملحوظاً لدور المنظمات المعنية في دعم المدارس، في ظل الحصار الذي يشهده نازحو المخيم من قوات النظام وميليشياته المنتشرة بمحيط ما يعرف بمنطقة الـ 55 كم التابعة للتحالف الدولي، والخاضعة لاتفاق خفض التصعيد جنوب شرق سوريا من جهة، وإجراءات الجانب الأردني الصارمة بالتعامل مع ملف نازحي الركبان من جهة أخرى.