- Home
- مقالات
- ترجمة
مطلوب ميتاً أو حياًالبحث المحبِط والفاشل عن أبي بكر البغدادي
آن سبيكهارد و أرديان شاجكوفسي
عن جريدة الدايلي بيست
6 كانون الثاني
ترجمة مأمون الحلبي
يتقاطر الأميركيون والروس إلى وادي الفرات من شتى الجهات، حيث تخوض «خلافة» تنظيم الدولة معركة بقاء أخيرة، وهم يعتقدون أن البغدادي حي هناك. مع احتمال مغادرته لهذا المكان منذ أمد بعيد.
أعلن حيدر العبادي، رئيس الوزراء العراقي، في الشهر الماضي هزيمة تنظيم الدولة وتجريده من الأراضي التي كان مسيطراً عليها. مع ذلك، يبقى هناك سؤال مُلِح: أين البغدادي (زعيم الجماعة الإرهابية) التي سيطرت على ثلث أراضي العراق عام 2014، وأرهبت ملايين الناس في المنطقة، وبثت الرعب في كل أنحاء العالم، وألهمت هجمات تقشعر لها الأبدان في أوروبا والولايات المتحدة؟. فبالرغم من الجائزة الأميركية البالغة 25 مليون دولار ثمناً لرأسه، استطاع البغدادي تفادي الأسر والموت مراراً.
بينما كنا الشهر الماضي في بغداد، بصفتنا باحثين من «المركز العالمي لدراسة التطرف العنفي»، نجري مقابلات مع كوادر من تنظيم الدولة الذين، بخلاف قائدهم، ألقي القبض عليهم ومَثَلوا أمام العدالة، سألَنا محقق عراقي في أحد السجون: «بالرغم من قوة بلدكم العسكرية، لماذا لا تستطيع الولايات المتحدة العثور على البغدادي؟».
إنه سؤال جيد. أفضل طريقة لتلقي المعلومات بالنسبة للاستخبارات تكون من مصادر ميدانية، وهذا أمر تفتقر إليه الولايات المتحدة في حالة التنظيم. وقد وجدت أجهزة الاستخبارات الغربية أن من المستحيل تقريباً إدخال جواسيس إلى هذه الجماعة الإرهابية. لكن مصادر أردنية زعمت لنا أنها قد قامت بذلك، معززة زعمها برواية إخبارية عن عميل سبق وأن اخترق التنظيم وخدم كقائد فيه، ثم سُحِب جواً قبل الهجوم النهائي للتحالف على الرقة، عاصمة التنظيم. أيضاً، عدة موظفين حكوميين كوسوفيين أخبروا باحثين من مركزنا عن محاولاتهم اختراق التنظيم، لكنهم اعترفوا بفشلهم. أحدهم اكتُشف وتم قتله. وفي حين من المحتمل أن يكون الموساد الإسرائيلي وروسيا قد نجحا (هذا بالطبع ما يريدون منا أن نصدقه)، إلا أنه ليس واضحاً أن المعلومات الاستخبارية تأتي أو كانت تأتي من داخل التنظيم في وقتها. من الجلي أنه لا توجد حكومة أو جهاز استخبارات لديه معلومات كافية لقتل البغدادي.
من خلال مقابلات مع 66 منشقاً وعائداً وسجيناً من تنظيم الدولة، علم باحثو مركزنا أن كل الكوادر واقعة تحت ضبط كبير. الهواتف المحمولة غالباً ما يُجرّدون منها، أما الذين يسمح لهم بحملها، فغالباً ما يتم التحقق من الرسائل في أجهزتهم. ومراقبة الاتصالات مشددة للغاية. أما مصير أي شخص يتهم بخيانة التنظيم فهو قطع رأسه على الأرجح. كثيراً ما سمعنا أثناء المقابلات عن أعضاء روس، على وجه الخصوص، تم قطع رؤوسهم بعد أن اتهموا بالتجسس. اتهامات أُطلقت بدافع الاشتباه، مع وجود دليل بسيط، أو حتى دون أي دليل يسندها. كانت استخبارات التنظيم يقظة على الدوام من الأعداء ضمن صفوفها، فكانت تراقب أي اتصالات خارجية، وكانت تنبش في ماضي أولئك الذين ينضمون إليه. المنتسبون الذين ظهروا في سوريا والعراق دون تزكيات شخصية كانوا يمضون زمناً رهن تحقيقات الأمنيين، وكثيراً ما كانوا يرسلون مباشرة إلى الجبهات. كان التفكير هو، إنْ حمل هؤلاء المنتسبين السلاح وقاتلوا بشجاعة لصالح التنظيم وبقوا أحياء، يسمح لهم بالبقاء. أما إن ماتوا، ف«الشهادة» كانت قدرهم، وإن كانوا مؤمنين صادقين فالجنة مأواهم، وإن لم يكونوا كذلك فإلى جهنم. علينا أيضاً ألا ننسى أن تنظيم الدولة ليس مجرد جمع عشوائي من المتطوعين المتعصبين، كما يصور أحياناً. فبنيته الأساسية تشكلت من مجموعة من الضباط العسكريين والاستخباراتيين من حكومة صدام حسين. هؤلاء الضباط المتمتعون بتدريب رفيع أغضبهم صرفهم من الخدمة بعد غزو العراق بقيادة الولايات المتحدة، فتحالفوا مع مجموعة الجهاديين التي تشكلت حول أبي مصعب الزرقاوي (من الأردن)، الذي حظي باعتراف الأمر الواقع من أسامة بن لادن كقائد لما أصبح معروفاً باسم القاعدة في بلاد الرافدين. البحث عن الزرقاوي من 2003 حتى مقتله عام 2006 يقدم لمحة عما يجري الآن في البحث عن البغدادي.
كانت ندى باخوس ضمن فريق موظفين تابع للمخابرات المركزية الأميركية. هذا الفريق كان مكلفاً برصد واقتفاء أثر الزرقاوي -ندى لا تعمل حالياً مع وكالة الاستخبارات-. تقول ندى: «على العضو في هذا الفريق أن يتصفح كماً هائلاً من المعلومات. كل شخص يترك أثراً. كل كائن بشري مدفوع للبحث عن أشياء معينة: الطعام، الماء، المأوى، العلاقة مع الآخرين. توجد غرائز أساسية تدفع المرء لأن يكون موجوداً، وهذه الغرائز تشكل نموذجاً. تتضمن نقاط ضعف الأشخاص المطاردين مسألة إن كان لديهم متاعب صحية – فهمُ طبيعة تلك المتاعب، والشيء الذي يحتاجونه للعلاج- أفراد العائلة، الأصدقاء المقربون، إن كانوا مهتمين بمنطقة محددة من العالم. يحاول المرء منا رسم صورة عن المكان الذي قد ينتهي المُطارَد إليه».
أخيراً علمت قوة مهام العمليات الخاصة التي تتعقب الزرقاوي أن إماماً وعالماً إسلامياً كان الزرقاوي يعتبره مرشده الروحي، سيلتقي بالزرقاوي في منزل يقع خارج مدينة بعقوبة العراقية في حزيران 2006. تتبعت الطائرات المسيرة عن بعد سيارة الإمام، وعند دخوله المبنى، قامت طائرة أف 16 بتسويته بالأرض بقنبلتين زنة كل واحدة منهما 500 رطل. لكن باخوس تلاحظ شيئاً آخر، وهو أن تنظيم الزرقاوي كان شبكة من مراكز القوى والعقد التفريعية، وليس تنظيماً شديد الهرمية. هذا يعني أنه حتى بعد موت الزرقاوي، وحتى بعدما ظهر أنه هزيمة شبه كاملة في العراق، استطاعت الجماعة أن تتبعثر، ومن ثم تعيد التجمع وتنظيم نفسها في سوريا، وأخيراً إعادة الظهور باسم تنظيم الدولة الإسلامية تحت قيادة البغدادي.
لاحظنا في مقابلاتنا أن قلة قليلة من كوادر التنظيم الذين تكلمنا معهم قالوا إنهم شاهدوا البغدادي شخصياً. منذ خطابه عام 2014 في مسجد في الموصل يعيش البغدادي حياة منعزلة، وقد أبقى ضباط الاستخبارات الذين يحيطون به مكانه وتحركاته سراً شديد الحراسة. يجب أن لا يكون أمراً مفاجئاً أن تنظيم الدولة تعلم من التنظيمات الشقيقة السابقة كيف يحمي قائده. فأولئك الذين من عالم مخابرات صدام حسين عرفوا ما عليهم فعله لتجنب تكرار محاولات الإعدام، أو حالات الإعدام الفعلية للقادة الإرهابيين الشيشان باسايف وخطاب من قبل الروس، والزرقاوي وبن لادن من قبل الأمريكان. منذ اللحظات الأولى لتشكيل «خلافة» تنظيم الدولة اتخذ العملاء السريون لاستخبارات التنظيم خطوات تقلل إلى أدنى حد ممكن احتمال أن يلاقي البغدادي نفس المصير، وبالتالي يصبح التنظيم بلا رأس قبل الأوان.
هكذا نرى أن العثور على البغدادي ليس بسيطاً، بحيث يكفي الاعتماد على البراعة التقنية العسكرية للولايات المتحدة، كما كان يعتقد محققنا العراقي. فالمراقبة الدقيقة على مدار الساعة عبر الأقمار الصناعية التي تستخدمها الولايات المتحدة، وطائرات الدرون الذكية التي تفتش الأرض بأدق التفاصيل، لا تقدم إلا النزر اليسير من المعلومات، عندما يستطيع أمثال البغدادي أن يتحركوا بسرعة عبر متاهة أنفاق في الموصل، وأماكن أخرى بناها التنظيم. وعندما لا تبقى تلك الأنفاق متاحة له، فإن لدى البغدادي ميزة إضافية بتحويل مظهره، وربما حتى بالتنكر على شكل امرأة عربية تختبئ تحت نقاب ليتفادى المراقبة، كما حاولت كوادر أخرى من التنظيم أن تفعل. بعد غزو العراق عام 2003 الذي قادته الولايات المتحدة وُجد صدام حسين مختبئاً في حفرة في الأرض. لم يكن العثور عليه نتيجة للمكافأة البالغة 25 مليون دولار، والتي كانت أيضاً موضوعة ثمناً لرأسه. أَسرُ صدام تحقق بواسطة استجواب حراسه السابقين الذين قدموا أنواعاً شتى من المعلومات البسيطة، أدت في النهاية إلى اكتشاف مكانه. ومن المحتمل أيضاً أن صدام كان يفتقد ذاك النوع من الشبكة المخلصة التي ما يزال بوسع البغدادي الاعتماد عليها، مع وجود 20.000 من كوادر التنظيم التي عاودت الذوبان في المجتمع، وفقاً لمسؤولين عراقيين.
أهمية التخلص من البغدادي
يقدر المسؤولون العراقيون أن ما بين 6000 إلى 20000 من كوادر التنظيم قد عاودوا الذوبان في المشهد العراقي، وهذا يعني أن الجماعة ربما ما تزال تحتضن قدرات وقوى بشرية لشن حرب عصابات مع تفجيرات وهجمات انتحارية على نطاق أصغر، خصوصاً إن وجد قائد يرتب هذا الأمر. لكن عند هذه النقطة، حتى بدون قادتهم، أطلق تنظيم الدولة والقاعدة حركة اجتماعية من الفاعلين الصغار الذين يهاجمون من تلقاء أنفسهم. يضاف إلى ذلك، بالرغم من كل ما قد خسره التنظيم –الأراضي التي زعم في وقت ما أنها الخلافة، حقول النفط التي كان يحصل منها على الثروة والعائدات لكي تمكنه من تمويل إمداداته بالسلاح ورواتب مقاتليه، قدرته على استعباد وبيع الأسيرات، سرقاته ومبيعاته السرية للتحف الأثرية وأشياء أخرى قَيمة، مقدرته على فرض ضرائب على أولئك الذين كانوا تحت حكمه– ما يزال حلم تنظيم الدولة باقياً. حتى السجناء من التنظيم وأولئك المنشقين عنه، في الوقت الذي يعبرون عن تحررهم من أوهام الجماعة وتكتيكاتها، فإنهم يظهرون في كثيراً من الأحيان دلائل على ولاء باقٍ لحلم التنظيم الذي تم بيعه لهم. عرض الدولة الإسلامية للشبان والشابات على امتداد العالم الذين أحبطتهم المظالم وغياب المساوة السياسية وفقدان الفرص ما يزال موجوداً.
وعد التنظيم بالمشاركة ببناء شكل حكم جديد، يدعي التنظيم كذباً أنه سيدعم المثل الإسلامية، ويكون استيعابياً ويقدم العدالة والفرص لكل المسلمين. هو وعد يأسر الألباب. وحقيقة أن البغدادي مطلق السراح أمر قد يجعل إعادة بعث الإمبراطورية المهزومة بالنسبة لأولئك المؤمنين الصادقين ينطوي على احتمال أكبر.