- Home
- مقالات
- رادار المدينة
مصير مجهول ينتظر العائدين من معبر كسب
ينتظر السوريين العائدين من تركيا عبر معبر كسب الحدودي في اللاذقية ضابطٌ روسي يتولى شكلياً إدخالهم، ويساقون بعد التفتيش إلى المكتب التابع للأمن السياسي في المعبر، ومن ثم المخابرات العسكرية للحصول على "ورقة تسوية" يستطيعون التنقل من خلالها -كذلك شكلياً- دون التعرض للاعتقال. عند هذا الحد لا يعترض العائدين سوى بعض الأسئلة، وابتزاز مالي من كلا المكتبين يكفّ بدفع 10 آلاف ليرة سورية لكل منهما.
يصل معبر كسب بين مدينتي اللاذقية السورية وأنطاكيا التركية، ويعد من أهم المعابر الحدودية البرية بين سوريا وتركيا، خصوصاً أنه عاش خلال السنتين اللتين سبقتا اندلاع الثورة ازدهاراً في حركة تنقل الأهالي بين البلدين عبر رحلات يومية. أغلقت السلطات التركية المعبر مع بداية الثورة وتحرير أجزاء واسعة من مناطق جبل التركمان في ريف اللاذقية، بينما نشط معبر قريب في قرية اليمضية يصل المناطق التي تخضع لسيطرة المعارضة مع الأراضي التركية، لكن تم إعلان إغلاقه بشكل رسمي بعد استعادة النظام السيطرة على بلدة كسب التي سيطر عليها مقاتلوا المعارضة في منتصف آذار من العام 2014 فيما سمي وقتها بـمعركة الأنفال.
بقيت حركة المرور من معبر كسب متوقفة بشكل نهائي منذ إغلاقه حتى الأشهر القليلة الماضية، حيث بدأت عدد من الأسر اللاجئة في تركيا بالعودة إلى مناطق سيطرة النظام عبره، فقامت السلطات التركية بفتح الباب أمامهم للعبور بعد اتخاذ بعض الإجراءات في الجانب التركي قبل إجراءات أخرى تنتظرهم على الجهة السورية.
أحمد أحد الشباب الذين كانوا يقيمون في مدينة أنطاكيا التركية قبل أن يعود إلى مدينته اللاذقية منذ فترة قريبة، وعن أبرز الأمور التي قام بها لكي يحصل على إذن للدخول، تحدث عن تقديم طلب للوالي التركي برغبته بالعودة، والانتظار حتى الحصول على الموافقة، وعندها يستطيع التوجه في أوقات الدوام الرسمي إلى المعبر، وهناك يستلم المسؤولون الأتراك هويته المؤقتة "الكيملك" بعد تفتيشه، ليسمحوا له بالدخول إلى سوريا.
لا توجد أرقام وإحصائيات دقيقة حول عدد الأسر العائدة من المعبر حتى الآن، لكن تقدّر بحوالي خمسين عائلة شهرياً أغلبهم من سكان مدينة حلب، بحسب ما أوضحت هند العاملة على المعبر من الجانب التركي، شارحة بأنهم يسألون الأسر قبل عبورها عن تأكدهم من قرار العودة، ويقومون بتحذيرهم من مخاطر تسليم بطاقة الحماية المؤقتة، وعدم القدرة على الحصول عليها مجدداً في حال رغبوا بالرجوع إلى تركيا.
"يعبر بشكل يومي أكثر من عائلة مع أطفالهم، وفي بعض الأيام يكون هناك ضغط على موظفي المعبر، لكن الحركة تتوقف بشكل نهائي في أيام أخرى" تقول هند، وتعزو قلة العدد إلى الاعتقال الذي تعرّض له قسم من الذين عادوا إلى سوريا، عدا عن الابتزاز المالي وسوق الشباب للخدمة في جيش النظام مجدداً. سحب بسبب ذلك عدد من الراغبين بالعودة طلبات الترحيل التي قدموها إلى مكتب الوالي، وترى هند أن الظروف الصعبة التي تعيشها أسر سورية في تركيا وغياب الدعم وعدم توفر فرص العمل بشكل دائم، يجعلها تفكر بالعودة رغم المخاطر الكثيرة التي من المتوقع أن تواجهها.
منذ إعلان النظام عن فتح باب المصالحات والعودة إلى "حضن الوطن"، واستعراض "الهدوء والأمان" في مناطقه، خاصة بعد سيطرته على معظم المدن، إضافة إلى الإعلان عن تقديم فرصة للمطلوبين لتسوية أوضاعهم، عاد إلى مناطق سيطرته فئات بينها الكثير ممن عاشوا في تركيا أوضاعاً اقتصادية صعبة. ومع بدء نشاط المعبر ظهرت العديد من مقاطع الفيديو لمقابلات مع عدد من الأفراد والأسر التي دخلت من المعبر، وشجع من خلالها معدوّها على عودة كافة اللاجئين، بادعاء سير الحياة بشكل طبيعي وأن من حق الجميع أن يعود إلى منزله وبلده، وأن النظام السوري يرحب بهم، وأن كل ما يتوجب عليهم فعله هو الحصول على ورقة من الجهات الأمنية المتواجدة على المعبر.
يقول أحمد عما يفعله عناصر المعبر السوريين بأنه "استغلال وضعهم فقط، والحصول على الأموال من خلال الابتزاز والتهديد بالاعتقال أو الحجز لعدة أيام، وهذا ما حصل مع الكثير ممن عادوا". على أن الاعتقال يتم عادة عقب وصول العائدين إلى مناطقهم، فضلاً عن سوق الشباب ممن خرجوا هرباً من الخدمة الإلزامية أو الاحتياطية فور وصولهم، وهنا لا تكفي المبالغ الصغيرة التي يدفعها العائدون في المعبر، فقد تصل إلى 4 ملايين ليرة، يُحاصَر قبلها المعتقلون بأسئلة عن أدق تفاصيل حياتهم في تركيا وسبب الخروج من سوريا.
تتحدث سمر من بانياس عن قريبها العجوز مع زوجته اللذين عادا بعد عجزهما عن دفع إيجار المنزل في تركيا. وفي مدينتهما اعتقِلا لشهر بعد عدة أيام من الوصول، تعرضا خلاله للتعذيب النفسي عبر حتى التحقيق في تفاصيل حياة أقربائهما، وترى سمر بأن مصيراً مجهولاً ما زال ينتظر العائدين، إذ لا قانون يلتزم به النظام، فكيف الحال بالميليشيات الكثيرة التي تسيطر على مناطقه!